الجمعة، 30 ديسمبر 2011

مملوكة

رسالة ...قد تقبلها أو ترفضها من مملوكة ...تعلل وجودها عند استباحة الأحلام من محيطها الرائق الخاص لأمكنة أخري ملكا لآخرين، لم تكن بالنسبة لهم تكوينا،  مملوكة لا تبرأ نفسها من جدل دنيوي ،يحميها من سخرية تلصص الماديين من خيلائها ،بقدرة علي التملك بلا تملك ، لا تطلب الأشياء بل تأتيها سعيا، وهربت منها عند التحقق، تتنفس العتق المسوف للأبد وتحجب نفسها بغلالة خفية، خلف جدران شفافة ، لم تعد موجودة.
 مملوكة ...تملكتها دقائق حرة عند آخرين ، انتشت بها، وتاه عنها طير أبيض كان يظللها ،ظله كان يدفئها ، بينما تشعرها الأشعة بالبرد أحيانا ، وأحيانا أخري تستعذب لسعتها، كذلك فقدت مورد مائها / أو بمعني آخر تم ابعادها لسبب أو لآخر لا تريد الكشف عنه الآن، اقتنعت أخيرا أن الأحلام فقط لمن لا يعلن عن أحلامه، وأن الأسفار لن تعود بصراخها.
لم يعد يعنيني كثيرا هجرة العزلة، فالعزلة لا تتحقق كثيرا بين جدران صامتة، بل أستشعر حقيقتها في الضوضاء، لم تعد تعنيني كثيرا ، فهي ليست لي، لم تكن ولن تكون، حياتي ليست حقيقة ملموسة واقعية، قلما تتقاطع مع الأرض، وعندما تكون كذلك تكون رحلة للاختناق، للموت البطيء.
مملوكة...تعيش في عالم من مماليك يظنون أنفسهم أحرارا من أغلال عتيقة يعبدونها أكثر من عبادتهم الإله، يخشونها أكثر من خشيتهم خيانة الصدق الكامن بوجدانهم، يقبلون تدنيس بحيرتهم المقدسة

مملوكة... قبلت اعلان عبوديتها دفعا للحرب الفكرية المعلنة حولها، رغبة في أسرها، مفتاح الحرية علمك أن لا حرية في الاختيار ، لأن اختيارك لا يقبل العيش في ظل اخوف، لابد له من حارس يدفع الشظايا المتناثرة، ولأن الاختيار ثمنه فقدان السلام الوهمي الذي يقنعك به عدمك، قد لا تقنع بتفسيرهم وقد لا يعجبك حديثهم ، وقد تنزوي مختبئا من مهاتراتهم السفسطائية عن الزهد المقنع، والترفع المصنوع، لا تخلو الحياة من المتطفلين عليها، لا تخلو الحياة من موات.
أصوم عن الكلام، أصوم عن الشكوي، أصوم عن الاختيار، أصوم عن المشاركة، أعيش بدوني، أعيش بدونهم، ولا تتوقف الحياة، إلا بالعيش بلا أمل.
أصوم عن الكلام حينا ، ثم تنفجر الكلمات، وتنفجر الرؤي، وتتوه الأرض بي، وتهرب نفسي إلي الأحلام ليلا لمتنفس آخر بسبب صيامي عن الورق، الورق لا يملني، الورق هو الرفيق الوحيد، والكلمات التي تتملكني هي آسرتي ومخلصتي ولا خلاص.
العذاب الذي يسوقه الجلاد أهون من سوط أفكاري ، وأقل إيلاما لروحي
عذاب الجسد أهون من عذاب روحي المختنقة بيدي، وبيد كل من يتملكوني ، وما أكثرهم.
من أتخلص من أسره أولا ؟وكيف السبيل للخلاص ؟إلا بأسر آخر أكثر رحابة وأكثر استيعابا لروحي
من الذي ملكته نفسي وروحي غير هيابة بطشه بهما في سورة الغضب،
رسالة قد تدعو شفقتك وعطفك، أو غضبك وازدراءك، من مملوكة ، اعتادت نظرات الترفع من نفسها ومن المتعطشين للتملك، ومن سادة البشر ومن المدعين،ومن اللائمين، فلا شرف لشيء يتطلب عبوديتك له الا هو.
لكنها ما زالت مملوكة.... لكل من ذكرت سالفا.

 مي حواس
7-2010

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

أنيميا المدن

مَدينَتي
تَمْتَدُّ بيْنَ شَرْقٍ وغَرْبْ مُتَلاحِمِة الأَطْراف
لا زَمَنَ ترْهَبُ
وكُلُّ مَكان لها بهِ مَكانْ

تَجْتاحُها خُصْلاتي الغَجَرِيَّةُ
صَباحًا
لتتَشَرَّبَ كُلُّ فّجْرٍ مَضي
وكُلَُ فَجْرٍ آتٍ
وتَتَرَيَّثُ بيْنَ شَوارِعِها
الواسِعَةِ والضَّيِقَة
بيْنَ بِناياتٍ أَرُسْتقْراطِيَّةٍ لا تَهْدَأُ
تَتَباهي بِزُخْرُفِ الباروكْ
ويَعْلقُ العَبَقُ بخصلاتي بيْنَ مَشْرَبِيّاتٍ ذاتَ حَياء
تسْرِعُ بَيْنَ آثارِها المُتَناثِرَة
كدوامَةِ الزَّمَنِ
تُحاوِلُ اللِّحاقَ بِهِ
وتخترق كإعصارٍ كُلُّ الجُدْران
المُتَحَدثةِ بِتاريخِها المَكْتومِ المَنْسِيَّ
حِكاياتٌ كَثيرَةٌ ولا أُذُنَ تَسْمَعُ
أو وَعْيٌ يَتَجاوَزُ الفَرْدِيَّةُ
تَرْتَوي خُصُلاتي بِعُبورِها قَصْرَ النيل
إِلي صَراحَة كُتَلَ النيل
وكآبةِ سَميراميس
وتَنْتَشي خُصُلاتي بِعَبَقِ التَّحْريرِ الشَّيِّقِ القَديمْ

ومُرْتَعِدةً تَلْثمُ كُلَّ جِدار
لعَلَّهُ َيْهُربُ إِلي مَكانٍ آخَرَ
ويتْرُكَ المَكانَ خاويًا

لَعَلَّهُ يَهْرُبُ إِلي بَلَدِ الغَريب
الطامِعِ فيهِ
لعله يَأِسَ مِن أَنيمْيا
أَنيمْيا الذاكِرَة
تَمْحو كثلَّ سَطْرٍ بَنّاء
وكل خَدْشٍ يَحْكيهِ البِناء

لَعَلَّهُ يَخْشي أَنْ يَتَلَّقي
كلَّ الرَّصاصاتِ القاتِلَةِ
لِيَكونَ مَثْقوبًا كأَرْواحِنا
...
تَعودُ خُصُلاتي مُنْهَكَةٌ
مُجْدَبَةٌ
آخِرَ اللَّيْلِ
تَعودُ كَطِفلَةٍ
تَبْكي لِوِسادَتي
كُلَّ الآهاتِ المَكْتومَةِ
في جُدْرانِنا

مي حواس

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

غربة الحرف

لم يعد يفارقني، برغم استشعاري غربة لكل ما يحيط بي
لم أعد أتعرف ملامجي جيدا ، كما لن أعد أتعرف الحروف، ذلك أكثر ما يجرحني ويرعبني، انني لم أعد أتذكر الفارق بين الجيم والدال ، أو ما السبب في أن الألف تسبق الباء ؟ هل قبلت التاء ان تكون تاءا ؟ ربما وجود النقطتين فوقا كان اختيارها ، ولقد عرفت الميم وصلها ما بين الروح والجسد
لم أعد أتذكر جيدا هويتي...كما لن أعد أتعرف علي أشياء يومية عادية
ربما السبب أن التعرف لا يكون بالشكل ولكن بالشعور ، ربما لأن الشعور الذي توحيه الأشياء أضحي غريبا ومفتعلا أو عنيفا
ربما لأن حقيقة ما يحيط بنا من شوارع وبيوت وعربات ومحلات وأرصفة وأعمدة إنارة ، كلها لم تألف من لا يفهمونها جيدا، ولم تعتد ألا يستشعرها الناس بقلوبهم وحنوهم، ولم تعتد أنها معرضة من قبل من تبذل لهم كل ما لديها ، معرضة للمهانة والقبح والخوف...نعم إنها تخاف منا تلك الشوارع، تخاف من تركنا لها عرضة للإهانة ممن ينتهكون كرامة البشر...إنها تدرك أننا لا نعي غير أنانيتنا  ،وأننا تركنا القضية الأساسية بحثا عن نصر مؤقت...

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

الفيلا كوسيلة تحيز

بحثا عن ملامح خاصة للفيلا في المجتمع المصري، كنموذج متكامل ومركب له أن يحمل ملامح النموذج المركب للإنسان، وباعتبار أن الفيلا هي نتاج معماري له خصوصيته، فقد شهدنا من قبل تطوره عبر العصور السابقة في القاهرة القديمة والخديوية وحلمية الزيتون، نجد أن الفيلا دوما لها تعبير متفرد من الناحية المعمارية هدفها الأول هو اعتبارها انعكاس لمجموعة من القيم التي تميز وتنفرد بها الطبقة الإجتماعية التي ينتمي لها القاطنون، كذلك باعتبارها تجسيدًا لطموحهم ورؤيتهم لمنظومة متكاملة من السلوكيات التي تعبر عن نسقهم الإجتماعي والترفيهي والإقتصادي أيضًا.
المكان ...شارع تسعون ، مدينة القاهرة الجديدة جنوب شرق القاهرة التاريخية ،وبحثًا عن ملامح تلك الأنساق أولًا عمرانيًا باعتبار أن التصميم العمراني مدخل للشخصية وعنوان لها وأن العلاقة بين الفراغات والكتل هي علاقة تكاملة باعتبار الفراغ محمل بالقيم المنبثقة من أنشطة وممارسات تتم به من قبل القاطنين بالمكان ،وثانيًا معماريًا، باعتبار ان الكتل ومفرداتها وعناصرها لغة خطاب تحمل ضمنيًا قيم ومعان ،وبالتالي ملامح الأفراد...عدد غير محدود من المجاورات السكنية للفيلات الفاخرة...جيوب يظهر بها علي استحياء الطبقة الأٌقل من الوسطي أو المحدودة الدخل...لا وجود للطبقة الوسطي، مسوخ معمارية التكوين، وجزر منعزلة...!!
الزمان... العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ،بعد مئات السنين من الإحتلال ،و تداعيات الحداثة، والانتقال السطحي للقيم، وقطع الروابط القيمة والتاريخية بعنف ، والخضوع الغير مشروط لتقييم النموذج الغربي بالإضافة لتصديق غير مشروط أيضًا لعظمة التاريخ، وعوامل عديدة منها أيضا الحراك الاجتماعي عقب الثورة وبعد الإنفتاح،إعلام موجه يحمل رسائل غير مجربة وغير حقيقية ، فالإعلام المرئي والمقروء هو مختزل للثقافة، عزل الفقراء عن سياسة الإسكان وعن السوق العقاري ،أدت مجتمعة لحدوث حالة فوضي وحيرة ، وأحيانًا عدم تقبل أنفسنا كما نحن، بكل ما تحمله من تراكيب.

المكان والزمان ينتج عنهما عمران رمادي الملامح، نموذج للتخطيط الغير محدد الطابع، لا يحمل نسق بيئي أو اقتصادي غير اعتبارها
مكان لهروب القادرين ماديًا خارج اطار التلوث البيئي والثقافي لمدينة القاهرة. أما عن عملية اقصاء الطبقات الأٌقل ثراءًا من خلال سياسة الإسكان ، فتظهر بوضوح علي المستوي المحلي للمدينة الجديدة ، من خلال إقصاء الوحدات السكنية المتوسطة والأقل من المتوسطة في تجمعات عمرانية خاصة بهم، غير مكتملة الخدمات أو التعمير ، وتعاني من نقص في الخدمات الاقتصادية والثقافية والخدمية بوجه عام، و من الإهمال والفقر في التعبير المعماري، كما أن هذه التجمعات تعتبر قليلة الحجم والعدد وسط النمو العمراني الذي تم تخصيص معظم أراضيه للمشاريع العمرانية المربحة والمخصصة للشريحة القادرة علي الدفع كالمجتمعات المغلقة.
  وذلك العزل الذي تناولته بالتحليل ايريك دينيس ، لمحاولة الربط بين ذلك العزل المرغوب به من تلك الطبقة العليا، وبين تحقيق الأمن كقيمة منشودة وهدف أساسي من ذلك الإستبعاد، وربما التمييز الطبقي.
غير أن العزل هو أداة تحقق ملامح التحيز للطبقة ولرغباتها ولاصرارها علي الانفصال عن المجتمع،وذلك يطرح تساؤلا :
هل نجحت المجتمعات المغلقة في تحقيق هدفها في الهروب من مسئولية التواصل مع المجتمع في شكل تحيز عمراني محاط بسور معلنًا قوانينه الخاصة كمدينة داخل مدينة ؟ ما هي القيم التي ترنو إليها المدن في المقام الأول ؟
ما موقع الفيلا من ذلك التحيز ؟ إن كانت الفيلا  تشكل وسيلة للتحيز، فلتعويض جدل الإنفصال عن الهوية أصبحت الفيلا كناية فقط عن النسق الاقتصادي لشريحة ما من الأشخاص بحيث يمكن ضمهم في مجموعة ثقافية تمثل مجموعة ممتلكي الفيلات علي اختلاف ملامحهم وخلفياتهم الثقافية وأهدافهم وقيمهم.وقد تنقسم تلك المجموعة إلي مجموعات أصغر اعتمادًا علي ملامح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تميزهم تحت هذه المظلة.
ولمعرفة الاجابة عن التساؤل من الممكن تتبع قيمة الأمن في المجتمعات المغلقة عن طريق دراسة الأحيزة الفراغية الملاصقة للفيلا والمحيطة بها ، وذلك باستخدام عناصر تحليل يمكن من خلالهاقياس المفاهيم الأساسية التي تشكل مجتمعًا به قدر من الإنسجام والأمن، بالرغم من عدم وضوح ملامحه الثقافية الأساسية وذلك وبحثا عن تلك الملامح بالتجربة والتفاعل مع البيئة المبنية والفراغات وانتقاء المرغوب منها والتعبير عن الحلم.
التحيز :
التحيز في اللغة هو التملك، وأصل الكلمة من حاز، وهو أيضا يعني حيازة مكان ما.
التحيز لغة واصطلاحا:
ترجع مادة (ح.و.ز) في اللغة إلى ثلاثة معان، ذكرتها أغلب المعاجم اللغوية والتفاسير القرآنية إما مجتمعة أو متفرقة، وهي الجمع (التجمع)، ومنضم (انضم)، والتنحي..أما لسان العرب فيجمع مادة كثيرة يمكن أن نقدم منها ما يفيدنا في هذا المقام؛ ففي انحاز القوم يقول: "تركوا مركزهم ومعركة قتالهم و مالوا إلى موضع آخر".
ووجود بعض المعايير و القيم وبالمصطلحات، وبالسلوكيات، وبالملابس...] لدرجة يصعب معها التخلص منها"، هو ما أطلق عليه المسيري "اصطلاح التحيز".
نشأة المدينة عند ابن خلدون :
من الضروري بمكان تعريف المدينة باختصار لإمكانية ربط  المجتمع المغلق داخل القاهرة الجديدة بمنظومة نشأة المدن وعلاقتها بمراحل تطور نشأة الدولة وعن نشأة المدينة، ولفهم أسباب ظهورها من الناحية النظرية. فالمدينة تقوم عند ابن خلدون باعتبارها " غاية العمران " التي  هي نفسها " غاية المُلك " ، ومتي وصل العمران إلي غايته كان ذلك إيذانا بفساده وخرابه. إن الدولة والملك صورة الخليقة والعمران ومع أنه يري أن الأمصار و الرعايا التي تكون كراسي الملك تخرب بخراب الدولة وانتقاصها ، فالحق أن هذا الوجود المدني سواء كان كرسيًا للملك أو لم يكن ؛ إذا بلغ غايته انقلب إلي الفساد.(طارق والي ،1996،ص101)
وطبقا لما سبق فنموذج القاهرة الجديدة بداية من القرار السياسي وحتي ظهور المجتمعات المغلقة بها ، هو تعبير عن التميز الطبقي والتحيز الذي يكون العزل وسيلته ، و المتضمن في عزل اسكان الطبقة الوسطي والفقيرة من سياسة الإسكان وذلك يفسره ابن خلدون كما يلي :
" فأساس التفاوت بين سكان المدينة الجاه والسلطان لا المال لأن الأخير تابع لهما ومستمد منهما، إن الوضعية الاجتماعية للفرد في المدينة لم تكن تتجدد بما يملك لأنه قلّما يملك، وإنما كانت تتحدد بمقدار الجاه الذي له.والنفوذ الذي يملكه، لهذا فالتحضر أو التمدن لم يكن يحدث بشكل تدريجي، بل يتم بشكل فجائي وبنوع من الطفرة، ومرتبط بالتغيير السياسي للمجتمع، فالدولة هي الشكل الذي يحدد مستوي تطور هذا المجتمع والدولة هي المسئولة عن الظروف المناسبة لتطور الحياة الإجتماعية في المدينة وتأمين ظروف الإنتاج داخل كيانات المدينة." " فالدولة أو الفئة الحاكمة تجمع أموال الرعية وتنفقها في بطانتها ورجالها وتتسع أموالهم بالجاه ، أكثر من اتساعها بالمال،  ويشجب ابن خلدون تلك الحضارة ، ويقول عنها أنها غاية العمران ونهاية لعمره وأنها مؤذنة بفساده ، والفساد الذي يعنيه ابن خلدون هنا نوعان :فساد العمران من حيث صورته ، وفساده من حيث مادته، أما الفساد من حيث المادة فهو الفساد الذي يصيب الأفراد الذين هم مادة العمران، والحضارة التي ينتقدها ابن خلدون هي حضارة الإستهلاك بغير حساب ودون انتاج ، حضارة أولئك الذين يعجزون عن العمل والدفاع عن أنفسهم لاستحكام عوائد الترف فيهم ، إنها حياة جماعة طفيلية ، طائفة علي سطح المدينة ، تعيش وتستهلك وتبذر علي حساب الرعية كلها : تستولي علي أموالها وعلي القيم من أعمالها." (طارق والي،1996).
القيم التي تشكل عمران المدينة :
يتحدث ابن خلدون عن جلب المنافع ودفع المضار، وذلك قياسًا علي كل سكان المدينة وليس فقط جزء منها، لذلك فإنه عند تناول نظرية ابن خلدون لابد من مراعاة تطبيقها علي عدة مستويات، وذلك لتغير عدة مفاهيم بعضها متعلق بالرفاهية وتحقيق الرخاء والنفع واليسر( جلب المنافع ) والآخر الخاص بتحقيق الاستقرار والأمن والطمأنينة ( دفع المضار) ،لأن تعريف كلًا من مكونات الشقين يختلف من شريحة اجتماعية لأخري، وفي الحقيقة هذه القيم هي بالضرورة لكل شرائح المجتمع ، كما أن الإصرار علي جعل فكرة تحقيق الأمن أو الإستقرار أو الطمأنينة كهدف ترويجي للمجتمعات المغلقة يحمل ضمنيًا انتفاء وجودها خارج هذه المجتمعات وبالتالي تتبلور فكرة التحيز علي مستوي القيمة، فتحقيق قيمة الطمأنينة مثلًا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمستوي الإقتصادي المرتفع و المرتبط بالضرورة بالنفوذ (كما هو مطروح في وسائل الإعلام وكما وضحه ابن خلدون )، بينما لا تقدمه بالضرورة المجتمعات المغلقة كما سيتضح لاحقًا.
أما عن قيمتي المساواة و العدل ، فاختفائهما هو آفة تنبأ بانهيار المدينة " فالظلم مؤذن بخراب العمران سواء كان هذا الظلم نتيجة سياسة مرهقة أو تسليط أنواع أخري من التعسف علي السكان وتجاوز الدولة السياسة الشرعية ، فلا عز للدولة إلا بالرجال " ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل" ومن أبرز أنواع العدل عند ابن خلدون :"العدل الإقتصادي ، فالظلم المؤذن بخراب العمران يتجاوز الظلم الجبائي ليشمل احتكار التجارة ، واعتصاب أموال الناس عن طريق سياسة التغريم".
يتضح هنا أن مشكلة العزل الإجتماعي والعمراني هو تحيز ليس فقط لنمط حياة ترفيهي، بل إن ذلك الترفيه مظهر مرتبط بالضرورة بالطبقات الأعلي في المجتمع ولا غبار عليه، بينما تظهر آفته عندما يكون التحيز هو للقيمة التي يتم الترويج لها اعلاميًا وهي الهدف الأساسي من المجتمعات المغلقة التي هي تعبير عن تحيز علي عدة مستويات أولها دفع المضار وجلب المنافع ، ثانيها الإنفصام التام عن المسئولية، والاختلاف بين ظروف نشأة هذه النظرية عن الزمن الحالي، أنه لا توجد ملامح واضحة للقيم التي تعبر عنها الطبقة التي ترغب بتحقيق الإستقرار والأمن ، والتي تعبر عن أنشطتها وتجانسها وأحلامها.
وباعتبار أن الأمن هو الهدف الأساسي لذلك العزل، فمن الممكن قياسه من خلال دراسة الفراغات باعتبارها فراغات دفاعية، وتعتبر كذلكلغة النمط أحد وسائل قياس المشاكل العمرانية والمعمارية.
العمران كأحد وسائل التشكيل المادي للمجتمعات هو أداة تعبير وقياس أيضًا لسلوك الأفراد وباعتبار أن الأنشطة التي يزاولها الأفراد أحد أدوات التعرف علي خصائصهم الثقافية، فإن الفراغات التي تتم بها تلك الأنشطة هي الوعاء المحتوي لهم ، ولفعاليتهم مع أنفسهم والآخرين، ومع الفراغ في حد ذاته الذي يمنحونه ما يشاءون من القيم ، باعتبار أن العلاقة تبادلية ومرنة ودائما في حالة تشكِل.
مفهوم لغة النمط
لغة النمط أحد تأثيرات التصميم العمراني والمعماري علي الأبعاد الاجتماعية والسياسية وغيرها، ويمكن من خلالها تحقيق عدة مميزات في التصميم (أو في حل مشاكل العمران القائم) و الربط بين النواحي الاجتماعية والفراغات المستخدمة، يمكن استخدامها أيضًا علي مستوي التخطيط العمراني وصولًا إلي التفاصيل المعمارية، ويحقق استخدامها المرونة المطلوبة في التصميم.وهي وسيلة للربط بين الهدف الأساسي وهو التصميم المستدام وبين المحددات التي تفرضها الظروف الإجتماعية والاقتصادية والموقع الجغرافي.
مفهوم الفراغات الدفاعية :
كان من البديهي التطرق لمفهوم الفراغ الدفاعي لامكانية رصد عناصره في المجتمعات المغلقة ،وتتفق معظم الأدبيات التي تتناول الفراغات الدفاعية في كونها منظومة يتم من خلالها توظيف معايير التصميم الخاصة بالمسكن والحدائق ومسارات الحركة والأحياء السكنية لمنع الجريمة من خلال تحقيق احتياجات ومتطلبات الأمن والسلامة. وتشترك كل أنساق النظم الدفاعية في هدف عام  وهو توفير بيئة عمرانية مبنية تمكن القاطنين بها من التحكم في الفراغات المحيطة بمنازلهم، وذلك يتضمن الشوارع المحيطة والممرات والفراغات الأنتقالية، بما يضمن لهم الملاحظة والسيطرة علي تلك الفراغات وفقًا لمتطلبات نمط معيشتهم.
وتعتمد الفراغات الدفاعية اعتمادًا ذاتيًا علي توفير الأمن المطلوب بدون الاعتماد علي السلطات المختصة، أو الحكومية في المساعدة في  تحقيقه؛ فهي تعتمد علي سلوك القاطنين وتفاعلهم في التقليل من معدل الجريمة، كما أنها تجذب السكان من كافة الشرائح الإجتماعية للسكن، محققةً نوع من التجانس الاجتماعي.
من الملاحظ وفقا لدراسات الفراغات الدفاعية أن الشعور بالمسئولية عن الفراغ والممتلكات يقل كلما زاد عدد العائلات التي تشارك في امتلاكها أو استخدامها، وبالتالي فكلما قل نسبيًا عدد الأسر التي تشارك مسئولية واستخدام الممتلكات العامة ، سواء كانت مسارات داخلية خاصة بين الوحدات السكنية ، أو بين الفراغات الخضراء، يكون من السهل التوصل إلي فهم غير رسمي بين هذه العائلات لما يتعلق بتفاصيل الاستخدام الخاص بالفراغ  والقبول بينهم؛ وعندما يزيد عدد الأسر يكون من الصعب التوصل لمثل ذلك المفهوم، ويصل الأمر علي اقتصار استخدام الفراغ كمكان للنزهة، فمن الصعب علي السكان اعتبار ذلك الفراغ ملكا لهم ، كذلك يصعب الشعور بأن لهم أحقية التحكم به أو تغييره أو تحديد الأنشطة التى تمارس به، ويكون من السهل على الأغراب التسلل إليه.
وتوجد عديد من الدراسات التي تتناول "منع الجريمة من خلال التصميم العمراني للبيئة المحيطة"Crime Preventing Through Environmental Design (CPTED) . إن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها ذلك المنهج هو أن البيئة المشيدة يمكن تحويرها للتحكم في سلوكيات الأفراد بحيث تقلل من الشعور بالخوف من الجريمة.ويمكن تعريفه بالتالي :"أنه التصميم الصحيح والفعال للبيئة المشيدة و الذى من الممكن أن يقود للتقليل من الخوف من حدوث الجريمة وتحسين مستوي الحياة بتحقيق الأمن." هذا التعريف يفترض أنه كلما كانت ادارتنا للموارد الإنسانية والطبيعية للبيئة المشيدة فعالة كلما زادت فرصتنا في الإستفادة من الفراغ ، والإستفادة في التجمعات العمرانية تعني حماية الممتلكات.
ومفهوم كلمة التصميم يشمل الجزء المادي والإجتماعي والإداري والتي تهدف جميعًا للتأثير الإيجابي في سلوكيات الأفراد في تفاعلهم مع المحيط البيئي، فهدف ذلك المنهج هو منع بعض الجرائم من خلال بيئة محددة المعالم والخصائص ، عن طريق تقديم بدائل مرتبطةبطبيعة الفراغ والنشاط.ويتضمن أيضًا تصميم الفراغ؛ المادي من خلال معرفة احتياجات المستخدم الإجتماعية والمادية والنفسية، والإستخدام المتوقع والمرغوب للفراغ ، واختيار الأنشطة يجب أن يراعي كل الأطراف.يوجد ثلاثة محاور للتصميم يجب مراعاتها و هي : التحكم في المداخل ، والمراقبة الطبيعية.( بدون استخدام التكنولوجيا)، وتعزيز الحماية.
التحكم في المداخل فكرة تصميمية تهدف للتقليل من فرص حدوث الجريمة ويتم تصنيفها أن لها خاصية النظامية، وتهدف لمنع الوصول للهدف ، عن طريق خلق فرص حدوث مخاطرة الإختراق لدي المقتحم.
المراقبة الطبيعية هي فكرة تصميمية تعتمد علي وضع المقتحم تحت المراقبة ، لذا فالهدف الأساسي لخطط المراقبة هو تسهيل حدوثها داخل المكان. ويتكامل المحوران في اقصاء المقتحمين خارج الفراغ لاحساسهم العالي بوجود المراقبة.
أحد عوامل نجاح هذا المنهج هو كونه قابل للتطبيق من قبل المستخدمين، فهم أكثر  الأفراد معرفة بالفراغ والأنشطة التي تدور بداخله ولديهم رغبة حقيقية في أن تتم هذه الأنشطة بالأسلوب الأمثل، فالمتخصصون مثل المعماري ، أو منسق الموقع او خبير الأمن وغيرهم لا يتحملون في النهاية كل مسئولية تحقق الأمن، بل لابد من مساعدة المستخدم لتحقيقه، وذلك باعتبارأن الفراغات الإنسانية لها هدف من تصميمها يحدده المستخدم، وأن كل الفراغات الإنسانية لها تعريف يشمل البعد الإجتماعي والثقافي والقانوني،و التي تصف السلوك المتوقع لأداء النشاط والمرغوب فيه من قبل المستخدمين. كذلك فكل الفراغات الإنسانية مصممة لدعم والتحكم في السلوكيات المرغوب فيها.
بناءا علي المناهج و الأسس السابقة يمكن تقييم الفراغ الانساني من خلال الأسئلة التالية :
العملية التصميمة :  ما هو الهدف التصميمي من الفراغ ؟ ما هو الإستخدام الرئيسي الذي صمم من أجله الفراغ؟ ما مدي استيعاب الفراغ للاستخدام الحالي؟ هل يوجد تعارضات بين الاستخدام الحالي  
والهدف الذي صمم من أجله الفراغ ؟
التعريف: كيف يمكن تعريف الفراغ ؟هل واضح من يمتلكه؟ ما هي حدوده؟ هل يوجد تعريفات ثقافية أو اجتماعية توضح كيفية استخدام الفراغ؟ هل تم تطبيق اللوائح والقوانين بوضوح في طرق تشغيل الفراغ؟هل يوجد علامات ارشادية؟ هل يوجد تعارض أو عدم وضوح بين تعريف الفراغ وبين استخداممه ؟
التصميم المادي: ما مدي دعم التصميم المادي للاستخدام ؟ ما مدي دعم الفراغ لتعريف السلوكيات المرغوب فيها ؟ هل يوفر التصميم وسائل للمستخدمين العاديين تمكنهم من التحكم في ممارسة الأنشطة والمراقبة الطبيعية ؟
كان من الضروري التطرق لبعض أدبيات الفراغ الدفاعي، للتمكن من فهم فلسفة الأمن داخل الفراغ العمراني، بالإضافة لامكانية قياسها عند التعرض لتحليل الفراغات داخل المجتمع المغلق Lake View باستخدام لغة النمط.
أولًا: تدرج المداخل      Hierarchy  Of Entrances
 
  تعتبر التدرج في الانتقال من فراغ لآخر داخل المدينة أحد المفردات التي تمنح الشخصية والطابع للمدينة، وتعكس ما تقدمه المدنية لسكانها. فالمداخل كفراغ انتقالي من خارج إلى داخل المدينة ، أو كفراغ انتقالي من شارع رئيسي إلى مجاورات سكنية أصغر غير محددة الملامح و قد تختفي أحيانًا.
مدى تحقيق معايير الفراغ الدفاعي للأحيزة الخارجية لأحد المجتمعات المغلقة Lake View :
تتحقق منظومة الفراغات الدفاعية بالبدء من التصميم العمراني للمدن وتنتهي إلي مستوي الوحدة السكنية الواحدة وهي الفيلا محل الدراسة. وذلك من خلال التدرج عبر ستة مستويات أساسية يتم من خلال تطبيقها التحكم في معايير تحقق الأمن ومن ثم الإستقرار في المكان، من الملاحظات المستنتجة من مشاهدات وزيارة القاهرة الجديدة ومنطقة الدراسة (Lake View)، يظهر تساؤل مهم وهو مدي تحقيق المجتمع المغلق المحاط بسور للأمن؟ لأن معايير تحقيق الأمن لا تتم فقط بالأسوار بل تتضمن ملاحظة الساكنين ، كما أن الإنتقال من فراغ لأخر لا يجب أن يعتمد فقط علي اللوحات الإرشادية بل يتم عبر التصميم العمراني ومراعاة خلق فراغات انتقالية ممهدة.
المستوي الأول (من المداخل) : المدخل إلي المدينة :
لا يتضمن تخطيط مداخل مدينة القاهرة الجديدة تصميمًا واضحًا عمرانيًا لفراغ انتقالي يمر عبره الأفراد بحيث يمثل فراغ شعوري الملامح أواعلان لدخول مدينة جديدة تمثل المستقبل ، أو تمثل نمطًا مغايرًا للحياة ذو رؤية معمارية أو عمرانية واضحة المعالم. حيث أن اختفاء وجود بوابة أو انتقال فراغي عبر ميدان أو تنسيق موقع مختلف أو مميز عن الطرق السريعة يمنح انطباعًا غير محدد ، انطباعًا رمادي المعالم عن شخصية غير محددة المعالمز بالإضافة إلي مفاجئة الانتقال السريع الي داخل المدينة في أهم شوارعها ، فيعطي انطباعا غير آمن علي الإطلاق ، و سهولة الولوج للمدينة تقلل الإحساس بالأمان والإستقرار والخصوصية، ويظهر في الخريطة السابقة أماكن المداخل التي يظهر أحدها في الصورة
.المستوي الثاني :المدخل إلي المجتمع المغلق :
الإنتقال إلي الفراغ الداخلي للمجتمع المغلق محدد تمامًا بسور مرتفع، ويعطي انطباع ومباشر بالفصل أو العزل. كما يمنح انعكاس لتحقق
مفهوم الأمن من خلال بوابات واضحة. ولكنها لا تمنح انطباع واضح لشخصية محددة الملامح إلا من خلال الأبنية التي تظهر من خلف الأسوار، والأشجار التى تحقق طابع خاص للترفيه. ولكن خارج الأسوار يتم تجاهل الأرصفة وأعمدة الإنارة المميزة التي تعطي انطباعا أقل صرامة ونفورًا ، كما أن الأسوار مصمتة لإبعاد التلصص ولكنها تحمل أيضا رسالة بالعزل عن المحيط العمراني، كما تفصل الأنشطة التي تتم في مسارات المشاة والأحيزة الفراغية داخل المجاورة المغلقة عن الأنشطة التي قد تمارس في الشوارع المحيطة. وبالتالي فهي تتحول إلي مدينة داخل مدينة، بالفصل المعماري والمجتمعي والنشاطي.
DSCF1906
 

المستوي الثالث (من المداخل) :المدخل إلي المجموعات السكنية :
تتجمع الفيلات لتكون مجموعات سكنية حول طريق ، ويفصل بين المجموعات السكنية مسطحات خضراء ومسارات حركة، بينما مدخل كل مجموعة غير محدد علي الإطلاق. فعمرانيا لا يوجد محفز لفصل المجموعات السكنية عن بعضها بالبوابات، فالمجتمع يعتبر مجاورة واحدة. و بالرغم من ذلك فمعالجة المداخل عمرانيًا بدون الفصل بالبوابات، سيكون محقِقًا أكثر لمفهومي الخصوصية ، والأمن فبمجرد الدخول من البوابة الرئيسية يمكنك التجول بحرية داخل المجتمع بدون التعرض لسؤال. والكثير من مسارات المشاة لا يمكن مراقبتها طوال الوقت لأنها بعيدة عن الرصد، ومما قد يساعد علي التقليل من الاحساس بالأمان ايضًا هو عدم ممارسة أنشطة مشتركة بين السكاني تلك الحدائق المنتشرة.
و بذلك يدخل المستوي الرابع والخامس من مستويات المداخل ضمن اطار الفراغ الحميم والملاصق للفيلا، لذا سيتم دراسته عبر الفراغات الخارجية المفتوحة لاحقًا.
الموقع العام لمجتمع المغلق Lake View
يظهر من الموقع العام انتفاء التدرج في الإنتقال من خارج المجتمع إلى داخله، حيث أن المدخل الرئيسي نقطة انتقال وتحكم للدخول ، بالإضافة لوجود السور كفاصل محدد لحدود التجمع ولكنه يقطع التواصل بين الفراغات العمرانية للمدينة.و فكرة التحيز تظهر علي مستوي القرار في تحقيق الأمن عن طريق العزل الذي يظهر بصورة واضحة. فبالإضافة للأسوار العالية ، بنتفي التفاعل بين المحيط الخارجي والداخلي للمجتمع، وهو المطلوب وهو أيضًا أحد أهم الأسباب التي ينتفي معها تحقيق الأمن، فالفراغات الآمنة كما اتضح سابقًا تعتمد علي توضيح نوع الأنشطة ومنع المتطفلين بدون استخدام فكرة السور، كما أن الحاجة الإجتماعية الأرستقراطية للعزل هي الداعية في المقام الأول لفكرة التحيز في تحقيق قيم الإستقرار
والطمأنينة، كما أنه يصعب من الخارج التعرف علي المكان ، ويبدو طابعه أقرب للمنشآت السياحية الفندقية أكثر من كونه تجمع سكني متميز وحميمي.
و للحد من صرامة ذلك السور ، فبالإمكان اللجوء لحلول أخري تمكن تحقيق فكرة الخصوصية بدلا من التحيز باستخدام العزل، مثل اضافة فراغات انتقالية حول التجمع العمراني بحيث يمثل فاصل نفسي وطبيعي للمنطقة السكنية المتميزة، وتمثل فراغا يضم أنشطة ذات طابع متميز وواضح بحيث لا يشكل خطر علي المنطقة السكنية، أو من الممكن كذلك استخدام الأسوار الغير مصمتة.
و يوجد العديد من الأنماط المرتبطة والمكملة لهذا النمط، مثل الفراغات الخارجية الإيجابية ،و الفراغات الخضراء ، و الميادين الصغيرة،و شبكة المسارات والطرق،و المسارات الخضراء.
الفراغات الخارجية الإيجابية داخل المجتمع المغلق
Positive Outdoor Spaces inside Lake View      
تعتبر الفراعات الخارجية داخل المجتمع المغلقLake view  أماكن لممارسة مختلف الأنشطة المعبرة عن نمط الحياة الترفيهي للسكان ، ومرتبط بعدة أنمطة أخري أصغر مثل : التدرج في الفراغات المفتوحة، شكل المسارات، كثافة استخدام الأرصفة  ومرتبطة أيضا بنمط أكبر وهو التعرف علي المجاورات السكنية المجاوِرة، والتدرج  في المداخل.


Lake View مدي تحقيق معايير الفراغ الدفاعي للأحيزة الفراغية لأحد المجتمعات المغلقة:
وذلك لبيان تأثير مفهوم التحيز علي تحقيق قيمتي الأمن والاستقرار، عدم وضوح هدف تصميم الفراغات الخارجية
المستوي الرابع للتحكم :الإنتقال عبر مسارات المشاة حول الفيلات :
تعتبر مداخل الفيلات قريبة من الشارع، ولكن معظم الأرصفة صغيرة العرض، حيث لم يتم تصميمها للاستخدام في غرض ممارسة رياضة المشي مثلا، ولا تشجع أيضًا علي التسكع. كذلك لا يوجد أمام مداخل الفيلات مساحات خضراء تمنح الساكنين فرصة للحركة او ممارسة نشاط ما، ووجود الفيلات بالقرب من بعضها البعض قد يمنح فرصة للتفاعل الاجتماعي و إن كانت ضعيفة.
المستوي الخامس :الدخول إلي الحديقة الخاصة بالفيلا :
 بعض النماذج لها مدخل علي الواجهة بارز علي الطريق ، ولكن معظم الفيلات لها مدخل غاطس في الواجهة يتقدمها مظلة تشكل فراغ نصف مفتوح ممهدا للانتقال داخل الفيلا، الأسوار المحيطة بقطع الأراضي تتنوع بين الأسوار الحديدية ، والأسوار القصيرة الحجرية، التي لا تشكل عائق بصري يحجب الفيلات ولكنها تحدد بوضوح الملكية الخاصة والملكية العامة، بحيث أن  ذلك السور المنخفض الذي من الممكن ان يكون مجرد سياج نباتي يمثل حاجز نفسي يعلن حدود الملكية الخاصة، غير أن الملكية العامة هنا ليست عامة كجزء من المدينة ، ولكنها عامة بالنسبة لسكان المجتمع المغلق، ولذلك تبدو الحدائق الخلفية بلا محددات سهلة الاختراق إلى حد كبير، ومسارات الحركة بها متنوعة.
 ثانيًا :المراقبة للفراغات الخارجية للفيلات :
شكل الفراغ : نلاحظ من الموقع العام لحالة الدراسة، أن الفراغات الخارجية التي تتجمع حولها الفيلات ليست ذات شكل هندسي أو عضوي واضح، لأنه فراغ طارد وليس مركزي، فالفيلات لا تتجمع بما يخلق فراغًا مركزيًا،و الذي من خصائصه خلق مساحة للتفاعل الإيجابي بين المشاركين في الفراغ ، بينما الشكل الغير محدد من الصعب تعريفه ومن الصعب كذلك ملاحظته بفاعلية
الهدف من الفراغ : تهدف الفراغات الخارجية التي بين الفيلات أن توفر مكانا متميزًا يمثل الهدوء ، وفراغ يمارس به أنشطة رياضية خفيفة كالمشي أو الجري أو ركوب الدراجات ، من خلال عناصر تنسيق الموقع من مسطحات خضراء و مسطحات مائية و ممرات.
استخدام الفراغ : لم يتم رصد تعامل مع تلك الفراغات، على الرغم من وجود جزء من المجتمع المغلق معمور بالأسر، و على الرغم من أن عددًا لا يقل عن أربعين وحدة قد تم تسليمها في المرحلة الأولي التي تعتبر كاملة التنفيذ تقريبًا، فإن النشاط الإنساني منعدم تماما ، بل و تعتبر الفراغات الخارجية فإنها مهجورة بالرغم من أنها كاملة التجهيز، وبالرغم من بساطة نوع الأنشطة المتوقع ممارستها داخل تلك الأحيزة، فنها غير موجودة. و بالإضافة إلي أنه لا يوجد مناطق للجلوس أو كراسي انتظار في الموقع، ربما سيتم اضافتها في مرحلة أخري، كذلك فالممرات الموجودة ضيقة تكاد تتسع لاثنين متجاورين،
ولا يوجد فصل بين ممرات المشاة وممرات ركوب الدراجات.
و على ذلك فلا توجد شخصية محددة للفراغ، فالهدف أن يحتوي علي عنصر للمياه يكون بمثابة منظر طبيعي للساكنين، وذلك يعكس فكرة أن التعامل مع الفراغات باعتبارها مطل طبيعي أكثر من اعتبارها مكان ممارسة تفاعل اجتماعي أو ترفيهي.ومما يؤكد ذلك انعدام أي تجهيز لأنشطة مثل لعب كرة سلة أو قدم أو مناطق جلوس من شأنها خلق فرص للتفاعل الإجتماعي.مما يطرح تساؤلا عن الهدف الأساسي من وجود تجمع سكني ان لم يكن هدفه هو التواصل الاجتماعي.
إن عدم وضوح شكل الفراغ وحدوده ، وعدم الإجابة علي أسئلة تحدد استخدام الفراغ، يعكس مبدأ مهم وهو عدم الشعور بالمسئولية لدي المستخدمين تجاة هذا الفراغ وبالتالي عدم القدرة في المشاركة علي صياغة وتنسيق هذا الفراغ ،فأحد أهم واجبات المصمم هو التعرف علي ما يحتاجه السكان من أنشطة، وبفرض وجود ملاعب في مكان ما داخل التجمع، فإن ذلك لا يغني بالضرورة عن وجود ملعب بالقرب من الفيلات.
و يُلاحظ أن الفراغ الحميم للفيلا  متشابه في معظم الحالات، من حيث توزيع العناصر الرئيسية وهو حمام السباحة والمدخل الي الفراغ المفتوح خلف الفيلات، والسور من حيث الشكل والارتفاع، بينما لم تظهر بعد ملامح خاصة للاستخدام تميز الفراغ الحميم لكل فيلا علي 
حدة، بينما تشترك كل الفراغات الحميمة للفيلا في صفة أساسية وهو صغر حجمها مقارنة بحجم الفيلا وبالفراغ المفتوح خارجها، بالتالي السؤال هنا  يتعلق بالاستخدام الغير محدد أو ربما سيكون محددا بعدد محدود من الاختيارات حجم الفراغ وكونه مكشوفًا بالنسبة للمارة في الفراغ الخلفي للفيلات أو بالنسبة للفيلات المجاورة.
خلاصة عن الجدار العازل والفراغات الصماء  والفيلا ...
هل تحقق الأمن ؟ هل توفرت ظروف الإستقرار بالعزل المعبر عن التحيز الطبقي ؟
هل يحقق المجتمع المغلق حلم الحياة الإجتماعية المستقرة القائمة علي قيم ومبادئ واضحة وممارسات حياتية فعالة وايجابية لتمثل تجربة المجتمع المعبر عن ذاته ؟ أم هي مجرد سكن فندقي لطبقة لا تستطيع تقويم الخلل في عِلة ظهورها واستمرارها.
إن أبسط المبادئ التي يقوم عليها أي مجتمع وهو دفع المضار، لم يتحقق من التحليلات السابقة يتضح وجود خلل في مفهوم الأمن المقترح في التصميم العمراني للفراغات المفتوحة للمجتمع، حيث أن
 الفراغ الدفاعي أحد أهم شروطه هو تعريف الأنشطة التي ستتم داخل الفراغ، بالإضافة لتحديد السلوكيات التي سيتم بها ممارسة ذلك النشاط والمرغوب فيها لدي المستخدمين، وفرضية أن النشاط غير محدد المعالم أو منعدم ، يطرح جدلية كون تلك الفراغات هي مطل أكثر من كونها فراغ لممارسة الأنشطة مما يضعف دورها في كونها فراغ دفاعي له خاصية منع التطفل وتحقيق المراقبة.
الفراغ الحميم للفيلا- حمام السباحة عنصر أساسي ،بالإضافة لعنصر السياج الذي تم اضافته من قبل الساكن، وهو سياج مغطي بالنباتات ،ويوجد بالقرب من حمام السباحة مظلة لتناول المشروبات
ألبحيرة كمطل لكل الفراغات الخارجية - عنصر مميز للفراغات، بالإضافة للبرجولات، ولكن بلا مقاعد جلوس، بل قد لا تكوون مستخدمة من قبل السكان لعدم وجود نشاط متعارف عليه سيتم حول أو بالقرب من البحيرة.
لكل الفيلات مطل واسع علي البحيرة والحديقة الخلفية التي تجمعهم
ممرات المشاة التي تربط كل عناصر ببعضها البعض ضيقة بحيث لا تسع الأفراد مع ركوب الدراجات.


مدرجات للجلوس في فراغات المناطق المتميزة
صف الفيلات تبدو أيضا كجدار
بالإضافة إلي أن منطقة الدراسة بالإضافة إلي أن منطقة الدراسة تتكون من المجموعات من الفيلات تطل من جهة المدخل الرئيسي علي شارع ، ومن الجهة الخلفية تطل علي مساحات خضراء، مما يخلق نوع من الخلل في فهم اللغة التي تم بها تجميع الفيلات، فالتجميع حول فراغ واحد يكون بهدف خلق فراغ مركزي خاص، تتم فيه مزاولة الأنشطة المشتركة التي تمكن الأسر من خلق صداقات،بالإضافة إلي أن الفراغ الخلفي تطل عليه فيلات أخري من مجموعات سكنية مجاورة ، بالتالي فان الجيران الذين سيتوفر لهم فرص اللقاء ، هم في الغالب من سكان المجموعات
 المجاورة، بينما شكل الفراغ الذي يتشكل بالفيلات ليس له طابع او شكل محدد لانه ناتج من تجميع المجموعات السكنية بجانب بعضها.
،ونظرا لأن الفراغات الخارجية لا يتحقق بها مفهوم الإيجابية الذي يعني أولًا وضوح شكل الفراغ وحدوده ،ثانيًا وجود نشاط محدد ومتفق عليه بين مستخدمي الفراغ ، ووجود الفيلات متراصة كجدار خرساني محيط بالفراغ بدون أي معالجات معمارية لخلق تفاعل بين الكتلة والفراغ، مما سبق فإن الأمن كهدف من العزل من حيث كونه وسيلة تجسدت في وجود الجدار العازل للتعبير عن التحيز الطبقي أو الإجتماعي ، هو هدف غير مختبر وفرص نجاحه ليست قوية، إلا باستخدام وسائل مساعدة مثل رجال الأمن أو وسائل مراقبة ألية.
ويبدو أن وجود ذلك الجدار العازل ليس حقيقيًا ، ليس وجوده المادي ، بل وجوده الوظيفي، فمتي انعدم تحقيق الأمن داخليا أصبح الجدار كجزء من منظومة الأمن المطروحة غير فعال في حد ذاته.
أما الفيلا  فرغم بيع كل الوحدات في التجمع المغلق Lake View ، فإن مقارنة الفيلا معماريًا وفراغيًا بفيلات الحليمة أو القاهرة التاريخية، يلاحظ صفتين أساسيتين للفراغ الحميم للفيلا بالتجمع المغلق، وهما أولا أن الفراغ غير محدد الاستخدام، ثانيا صغر حجم الفراغ بالنسبة لمسطح الفيلا ومحدودية الأنشطة التي يممكن ممارستها به. ومن المستهجن بناء مدينة بلا أسس في طياتها تحقق الأمن والاستقرار والرخاء بالقرب من القاهرة القديمة التي عاشت مئات القرون بالرغم من تنوع الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
فالدولة هنا أصبحت المفكر الذي يصوغ ويشكل العمران ويختار الأصلح من وجهة نظره للمجتمع ،فهي كيان معنوي ومادي يتمثل في كونه غائبًا وحاضرًا، ولكنه أقوي من ممارسات المواطنين المدنية وأنشطتهم المهنية ، وذلك لانعدام علاقة التأثير والـتأثر.والمجتمع المغلق باعتباره أحد القرارات السياسية والاقتصادية التي لا تغيب عن الدولة ، والتي هي أيضًا نتاج لمرحلة أخيرة في تطور المدن باعتبارها نموذجًا للترف والرفاهية  المتناقض تمامًا مع الجيوب العمرانية للفقراء ،ونموذجًا للاستهلاك.
طارق والي
"المدينة والدولة" ، اصدارات المنتخب –بيت القرآن ، البحرين ، 1996
راسم بدران

مؤتمر اشكالية التحيز-1996
Diane Singerman& Paul Amar
"Cairo Cosmopolitan,politics,culture and urban space in the new globalized middle east" .
Oscar Newman
Creating Defensible Space".
Christopher Alexander
A Pattern Language".
Walid N A Bayoumi
A The Tale of the Unsettled New Cairo City-Egypt:
A Review for the Implications of the Adopted Privatization and
Timothy D.
Crowe
Crime Preventing Through Environmental Design