الأحد، 30 سبتمبر 2012

كراهبة


كراهبةِ اللاّتِ في السكونِ ، وفي الصخَبِ ، عيونُ القدرِ عبرُها تتحدَّثُ ،  ككاهنَةٍ تبتهِلُ بالنُّجومِ ، كشفيعةٍ للعتقِ تسْعي ، وكنبيةٍ لا تأبَهُ العَذابَ ، أتيتُكَ حيثُ نهرٌ متدفِقٌ، لا يخيفُني هَديرٌ أَسْمعُهُ، ولا يقْلقُني كثرَةُ الدُّروبِ ، تبحثُ عن دربٍ ، إليهِ مرةً أخْري، تتحركُ بلا توقُّفٍ ، متذكرَةٌ لحظاتِ وجودِهِ بقربِها، قبلَ اخْتفائِهِ ، لمْ تُدركَ قبلَهُ ما السماءُ، وأبعدَتْها كراكيبُ الحياةِ عن الإمداوات الكُبري، تذكَّرتْ أنهُ عندما تبتَسمُ له يبتسَمُ لكَ، وعندما لا تبتسمْ يبْتسمُ لك...وعندما يبعدونَكَ عنْهُ، يقتَرِبُ منْكَ، وعندَما يبتعدونَ عنكَ، يأْتي إليْكَ، مرةً أُخْري تَكْفيني مِنْكَ قطراتٌ بالرَّحْمةِ ، ومداري يناديني مرةً أخري، لأدورَ حولُهُ ، تناديني هي أيْضًا لأحادثُها ولأحادِثَهُ أو لأتأملُهُ، مداري بعيدٌ ولكنه يقترِبُ منْكَ أحيانًا.
لم تعدْ تتذكرُهْ في خوفِها، ويؤْلمُها ذلكَ، تسْتَشعِرُ السكينَةَ بذكْرِ اسمِهِ، دونَ تفاصيلٍ، كَمِرْساة.
اعتقَدَتْ للحَظاتٍ طُوالَ البحرِ الهائجِ باستمرارٍ، أحيانًا تستمتعُ بالغوصِ، فتراتيلُ المَعبدَ تستمرُّ معها، ابتهالاتُها تنقذُها، كشجرةٍ بداخلُها تتشعَّرُ متفرعةً ومتجذرةً، أحيانًا يكونُ الغوْصُ منْجاةٌ ، والطَّفْوُ غرَقٌ، وَجَدَتْ بعينيْكَ شَئٌ كالسِّرِّ
العذابُ لا تأْبَهُ بِهِ، بلْ تُريدُهُ، يُشْعرُها بالنَّبْضِ، لا تُبالي عذابَ الحزْنِ ،بل تحتضنُهُ علَّها تخففُ عنهُ وطأَتُهُ، يعذبُها فقطْ اخْتِزال المَسافاتِ، لا تريدُ الوُصولَ أبدًا الآنْ، تعتقِدْ أنَّ الوُصولَ موتٌ.
لا تُخبأْ هذا المحيطَ خلفَكَ، انني أسبحُ به ، أستشعرُهُ بلطفِهِ، واشتقتُ للآلئِهِ ، ارتبْتُ فيه أَحْيانًا، وارتابَ فيَّ، العومُ فيه ليسَ أيُّ عومٌ، ولكنني تَنبأتُ بِمدِّهِ وهجرِهِ، يدورُ بي المَوْجُ ، ويَتبعُني، فهو هادئٌ وبسيطْ، وهو عميقٌ ومُفْعَمٌ ومقتحِمْ، ولا يعبَأُ بالسِّنين، ولا بِالخَطَرْ، إنه كالأَثَرْ.
إِنَّها تُناديني دوْمًا ، تلكَ الكاهِنَةُ العَتيقَةُ ، كلمّا تحديتُها، كشفَتْ لي عني، وعنْ تَراتيلي القديمةِ التي بكيتُها، انها فتنةٌ تفتنُ المعْشوق، ويلوذُ إِليها المُحبون، إنها رونَقُ تألَّهَتْ بها حتْحور، وملكَتْ بها الملهوفين، أين تراتيلي التي اعتنقْتُها ؟ بينَ البينِ تصدقْتُ بها لعابري السبيل، وللكرامِ الذين منَحوا كلَّ ما لهُمْ شوقًا للخَفِيِّ، إنهُمْ من عَرفوني عندما التقيتُهُم دونَ سُؤال.
كترتيلةٍ تسبحُ عبرَ زخارفِهِ، كحبيبةٍ للشوقِ وراغبةٌ في الوصلِ، كزاهدةٍ تأبي الا الحرَّ النفيسْ، وكأنشودةٍ تسمعُكَ وتناجيك، وكعَرافةٍ تبحثُ عن الحرْفِ كثيرًا ، وأبدًا ستظَلُّ تبحَثُ، وكالموصول بالأبديةِ ، تخْشي كثيرًا ، كسرَ الحرفِ، وانهاكِهِ ، وسلبِهِ روحُهُ، وتخشي أكثرَ، فقدَ الرسمِ معناه، وفقْدَ معناها في خضمِّ كلُّ المعاني المفقودَةِ، شهدَتْ رحيلَ المعني عنِ الميمِ والألفِ، ذُهلَ عقْلُها عندما انتفَتْ الهاءُ عن الواوِ اشارَةً، ولكنَّها لا تَعْبَأَ الآن، لمْ تَعُدْ تخْشي كُلَّ نَفْيٍ، أو أيُّ خوْفٍ من الجُمودِ، أو السقوط في قاعٍ بِلا قرارْ، لم تعُد تذهلُهُا الحروفُ المبعثرةُ، أو الكناياتُ المفقودَةُ، أو اتحادِّ الأشياءِ بشكْلِها.
لم يَعدْ يُجْدي الذُّهولَ في بحرٍ مُظْلِمٍ وظالِمٍ، ينتشلُها الي قاعٍ رافضًا اياها، رغمَ وجودِها، نظرَتْ إِليْهِ بتَحَدٍ فارتفَعَ موجُهُ عالِيًا وتبعثَرَ، أمامَ التَّراتيلِ المنْسوجَةِ من تبعثُرِهِ انتظامًا.
إِنها تأْتي إليكَ في خضمَّ المحيطِ تَعْلمُ أَنّها رحلةٌ غيرُ عاديةٍ بين العاديات، وتبحثُ عن سرهِّ في كلِّ الأشياءِ ، منسيٌ، ويبرقُ تحتَ الترابِ، تراهُ في عينينِ بلا زمن.
أيتها العابدةُ الأبديةُ، أيُّ صديقةٍ للنُّجومِ تكونينْ ؟ أي حبٍّ تريدينَ ؟ أيتُها الحبيبةُ البَعيدةُ، عودي لعرشِكِ، صدِّقيهِ.
موج ثم موجٌ ثم موجْ

(2)

لا تعكرَّ صفوَ موجي المقدسِ، محيطي المقدسُ قد اكتفي بمحاولاتِ طمسِهِ ، وبسخريةٍ منهُ طامعةٌ في عذوبَتِهِ، اتركني بعيدًا عنكَ، لا أريدُ منكَ زَمْهريرًا ، ولا أقبلُ منْكَ ورودًا مقابلَ جرحَ صَفائي، إِنني مدحتُ كلَّ ما رأَيتُ، ورأيتُ النورَّ داخلِكَ يختبأْ، فأَظْهَرتُهُ، ثم تركُتُه.