الأربعاء، 15 مايو 2024

من أنت أيها الطائر ؟




حنايا النورِ تُبْعَثُ في ثَنايا
وزَهْرُ الوَجْدِ يَشْدو في خُطايا
سُؤالٌ يَدُقُّ مُناجيًا أبوابي
يُحاوُرُني بِلَهَفٍ
مَنْ أَنا يا أنايا
أَعْدو مِنْهُ نَحْوَ شُطْآنَ الارْتِواءِ
وأَنْظُرُ مَحْوا أَرى صورَتي
تَتَرَقْرَقُ كالتيهِ في دُجايا
يُراوُغُني ويَشْغُلُني ب لِماذا
أَغيبُ في مَحْوي
فَمَنْ يُريدُ مِنِّي أَنايا ؟
أَيَبْحَثُ عَنْ تِبْري ؟
أَيَسْأَلُ مَنْ أَكونُ ؟
وأَنا لَحْظٌ
تَشَرَّدَ في أُفْقِ الخَيالِا
أَنا جَوابٌ لَمْ يَسْأَلُهُ الزَّمانَ
أَرْنو إِلى الخَبَءِ
فإما يُكابِرُني الموْجُ عاليًا
أو تُغَيِّبُني شوقا الأَمْواجَ
لمُنايا
كُنْتُ حُلْمًا تَراءى سحابا
وزُخْرُفًا تَجَلَّى أَثيرًا لِعابِدْ
خَرَّبُهُ جَهْلُ المَرايا
أنا حًلْمُ فَلَكٌ عَنْ روحِكَ
وأَثَرُ الغِيابِ في الزَّوالِ
شوْقُ يَبْغي ظِلالا
أَجدُك تَبْحث عن غيابي
وتَنْسى في ذَنْبِكَ سِرَّ الصَّباح
أَبْحَثُ في كُنْهي عني
رَكْضُ عِواصِفُ مِنْ حِكاياتٍ
أنا وَطَنٌ غابَ عنْ نَفْسِهِ
رَخاؤُهُ احتِضار
وذكرى قمرًا خَفٍيُّ العَطاء
أنا اغترابُ مَدينَةٌ عن كُنْهِِها
أثًرُ الخُلْدِ في صَداهُ
وجُدْرانٌ عَبَقًا نُوَدِّعُها
كترنيمةٌ غابَت
نُكرانا وجَفاء
طِفْلَةٌ أَنا في كَنَفِ التَّاريخِ
لكِني روحٌ حُرٌّ للفِؤادِ
ما زالت لا تَعٍلَمُ
مَنْ أَنايَ ؟
مي حواس
مايو 2024

 

الجمعة، 10 مايو 2024

طائر


 

يبدو ك طائر جريح متعب من الطيران، يقف عند قمم جبال، للراحة، لكنها لا تنتهي، فبعد كل قمة هناك قمم أخرى، يبكي بلا دموع، ولا يدري تماما لم البكاء، هل هو مرور العمر، أم لذهاب العقل، أم لغربة الأصدقاء، ولم أفكر في كل ذلك، وقد كنت أريد التحرر من كل ذلك، غربة الأصدفاء وعبودية العمل وقسوة العقل، ما الذي أردته ولم يحدث، ولماذا قلبي يدق متألما من قسوتكم ؟

يفكر كثيرا في عالم الخيال الذي هجره منذ زمن. هل محرم عليه ذلك بلا كل الناس الملاحقين له, ربما شعر يوما ما ان من حقه التحليق/ ووهم نفسه انه يخلق منفردا بخفة وزنه, ربما ظن ايامه لا تنتهي مع عالم الخيال, ربما ظن ان في عالم الخيال ينتفي الصراع والألم والحزن, بينما تظهر كل هذه المشاعر مع وجود المتحدثون بلا تصديق, والمتظاهرون بالمشاعر/ فما أسهل الكلمات المنمقة والابتسامات الشفافة, ما أسهل التمحور حول الذات, ما أسهل فقدانها في ذلك الدوران العبثي, الدوران الذي يبدأ بدفعة حب قوية ويستمر الى أن يتوقف تماما, وهنا تبدأ الأسئلة...من أنا بدون دورانهم حولي, من أنا دون دوراني حول نفسي, ما هي المعادلة, بل هل هناك معادلة ؟ لهذا الاتزان ؟
كل تلك المشاعر والأفكار حتما ما إلى زوال...لماذا جاء وعينا الآن وأين سيتركنا ؟
هل في تلك الغيبة عن الوعي ؟
الغيبة عن وجود نسائم الرحمن في كل ثانية: متشوقة لاستشعارنا لها, نسائم الرحمة التي تحمل قلوبنا وتضمدها, رغم أنف المتكبرين, ربما يظن البعض ان طريقنا واحد, أو أن طريقتنا واحدة...لكن ذلك الزمن قد انتهى منذ زمن...لا يسمح تفتت القيم بتخيل هيكل كامل بلا تدخل تسويقي لتزيينه ومنحه الحياة...الحياة لا توجد في جودة الكلمات...بل في مدى اتساقها مع فطرتها وحقيقتها التي خلقت عليها...
أكسر تلك المرآة التي تعكس آخرين داخلي, هي مجرد صورة...


مي حواس
ابريل 2024

منطق الوجود

 


‎ِيَشْغَلُني كثيرًا بالكِتابَة
‎انْهيارُ هالةُ الهَرَمِ الذَّهَبِيِّ
‎لمْ نَعُد نَشْعُر ُذَبْذَباتَها الحَنون
‎مُنْكَرًا نَراها
‎مُهْمَلا الهَرَمُ مُلْقَى بالصَّحَراءِ
‎كما لو كانَ الناسُّ قَد رَحَلوا
‎عَنْهُ للَأبَدِ
‎كما لو كانَ مُجَرَّدَ حِجارةً عادِيَّةً
‎ٍ بُنِيَتْ في مَكانٍ عَشْوائي
‎بُنيَ لسَبَبٍ أُسْطوريٍ بِتْنا لا نُصَدِّقُهُ
حتى اعتَقَدْنا لفَرْطِ عَبقَريَّتِهِ
وتَجَلي شُموخُهُ
كَوْنُهُ بِناءٌ فَضائِيٌّ
أثَرٌ ضَخْمٌ
‎لا نَفْهَمُهُ
‎نَهْجُهُ المُعَقَّدُ لا نُدْرِكُهُ
‎وفي مَمَرِّهِ زمَنٌ مُسَجَّلٌ وصاعِد
‎في جَلالِ ترْكيبُهُ الحَجريِّ
‎ إِمْكانياتُ التَّجَلي بلا لونٌ وقالب
لكَيانِ أَيُّ وَعيٌ مُتَأَمِّلٌ
‎وتنْظُرُ لِأعْلى
‎لِيُبهِرُكَ مَوقِعُ حُجْرَتُهُ بالسَّماءِ
‎كأَنَّما الصُّعودُ إِلَيْها
‎صْلاةٌ وتَسْبيحٌ
‎وكأَنَّها عالِقَةٌ بالفَراغِ
‎أو مَحْفورةٌ بالحَجَرِ
‎أَيُّ سِراً تَحْمِلُ أحْجارُكَ؟
‎وأيُّ سراً تَحْفَظُهُ كيْنونَتُكَ
‎يَذْهَبُ خاطِري إِلَيْكَ
‎فتُجيبُ عَن سِر ِّ تَكْويني الجَوْهَري
‎من أَينَ لَكَ بذلك العِلْمُ
‎يا هَرَمُ
‎هل حَجَرٌ كَيانُكَ
‎أَمْ هُو وَعيٌ تَجَلَّى بعِبْقَريَّةِ النِّسَبِ
‎أم أنكَ تَجَسُّدُ الخَفِيِّ مِنْ موسيقى كَوْنيَّةٍ
‎ورُؤْيةُ الكَْونُ لِنَفْسِهِ
‎وفي نَفْسِهِ
‎وأنشودةُ أَنغامٌ تُسَبِّحَ السَّماءَ
‎فتَلاقَت عندَ دَوران وَرْدَتُكَ الثُّمانِيَّةِ
‎في إيقاعٍ يَعْلو بِمُتَتاليَةٍ ذَهَبيَّةِ الرَّوْنَقِ
‎لِيُجَسِّدَ ذَهَبِيَّ النِّسَبِ
‎من أينَ لكَ بمَعْرِفةِ سِرُّ جَوْهري
‎وأَنا أَجْهَلُ مَعْنى عَزْفَ مَقْطوعَتِك
‎رُبَّما لأنَّك تُخاطِبُ النُّجومَ
‎ربَّما لأنَّك تُخاطِبُ الأرْضَ والبِحارَ
‎ربَّما لأنَّك عَصِيٌّ على الإِدْراكِ
‎عَصِيٌّ على تَحْييدِكَ بِمحْدودِيَّةِ القِياسِ
‎عَصِيٌّ على كلماتِ الشِّعرِ والغِناءِ
‎ربَّما لأنَّك وَجْهٌ َأرادَ الحَقيقَةَ
‎فأصْبحَ مِرآةً لها
‎بلا مِرآة
‎أصبحَ ترديدَ نَغَماتُها بلا نَغَمات
مي حواس
مايو ٢٠٢٤

اختفاء






كنْتُ أِبْحَثُ عَنْ كَلِمَةٍ أو تعبير
شيءٌ ما أَكونُهُ أَوْ كُنْتُهُ يَوْمًا ما
حالٌ ما
الأرقُ يَتَمَكَّنُ مِني
لكن لماذا أَبْحَثُ عَني
لماذا عُدْتُ لنَفْسِ الدَّوَران
مشاعِرُ قَديمةُ العَهْدِ في ثَوبٍ مُعاصرٍ
مُجَرَّدُ وَهمٌ آسرٌ
كُلُّ أَصْواتُ الماضي كذلك
كُلُّ رًغْبَةُ قَبَسُ تاريخٌ
افتعالُ لِحالٍ مَمْزوجَةً بِرُؤى تائِهَةٍ
عنِ سعادةِ التيهِ المَعْهود
هيَ خِطةٌ مُتْقَنَةٌ مِن مُتَسَلَّطٍ
قَلبُه لا يعرِفَ إِلا إنْقاذَ نَفسَهُ
حَيثُ لمْ يُجِبْ كِلاهُما عَنْ سُؤالٍ
تَسْأَلُهُ كُلُّ المَواقِفَ مِنْ خَلْفِ سِتار
مَنْ تَكونْ؟
يَتَعَّذَّبُ التائِهُ في جَهْلِهِ بِنَفْسِهِ
يَتَلَذَّذُ المُتَسَّلِطُ بِرَسْمِ الأَقْنِعَةِ
لكِنْ مَنْ مِنَّا يَعْرِفُ نَفْسَهُ تَمامًا؟
فربما يَلْعَبان مَعا تلك اللُّعْبَةَ القَدَرِيَّةَ
داخِلي
إِمْعانًا في تَشْريدِ عَقْلي وقَلْبي
انتقامًا منْ أَقدارِهِما
رُبَّما تَفَنُنًا في رَسْمِ الأَقْدار
ذلك الأَلَمُ
يُفْقًدُني شُعورًا بِوُجُودي
هل اختفَيْتُ؟
أَتَجَوَّلُ في الحَياةِ
ما بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَة
بلا هَوادَة
البَحْثُ عن وجودي
البحْثُ عَنْهُ
ديني
فأنا صّنْعَتُهُ
أَبْتَعِدُ عَنْ غُرورِ الصانِعينَ
للجمال
...
في تَجَوُّلي
بَذَلْتُ سَنَواتٍ وسَنَوات
صديقاتي النَّخْلات الأَرْبَعَة
كُنَّ صَغيراتٍ يَوْمًا ما مثلي
أُحادِثهُنَّ كلَّ يَوْمٍ منْ نافذتي
ذَكَّرْنَني عَنِ السَّنَواتِ التي أَمْضَيْتُها
بحْثَا عن البابِ
كنْتُ أَطْرُقُ بابًا
بل أبوابًا
لا أَعلَمُ كُنْيَةَ بَعْضَها
لم تَكُنْ الإجابَةُ يومًا حَرْفِيَّةً
على سُؤالي المَعْهودِ
مَنْ أَكونْ ؟
مي حواس
مايو 2024

الساعة

 



كالمراقبِ من بَعيدٍ
أَخْشى الاقترابَ من سورٍ عَجيب
بَلْ أَتَجَنَّبُ طُرُقاً تَنْتَهي لَدَيْه
أَدورُ حَوْلَهُ في طُرُقٍ دائِرِيَّة في اتِّجاهٍ مُعاكسِ
نهاياتُ بِناءٌ من ساعاتٍ شاهقةٍ
تَعْكِسُ أَضْواءَ تُروساً عَظيمَةً
ومُحيطهُ سورٌ زُجاجِيٌ رائِعُ الجَمال
تَتَجلى بها آياتُ الحِرَفِ والتُحَفِ
وتَتَناغَمً بِها الأَلحانُ والأَنْغامُ
واللؤلؤُ والألْماسً
في مَزيجٍ منْ زَخَمِ زَخارِفُ الروكوكو
وعَبَثِيَّةُ رَسمٌ عصريٌ للكِلاسيكِيِّ الفَرَنْسِّي
وتَضْخيمُ المقرنصَ المجردَ
في تَشْخيصِ دَوْرُهُ الجَديدُ
في مَسْرَحيةٍ يَتِمُّ تَسْويقُها
لإعادَةِ الطَّريقِ والطَّريقَةِ والشَّكْلِ
بِلا أَيُّ ذِكْرٍ لِدَوْرِهِ في عالمِ الحَقيقَةِ
وما الحقيقَةُ؟
أَلَيْسَتْ هي فقط المُتَجَسِّدُ بِالأَلْحانِ والنِّسَبِ ؟
كما تراها القياسات فقط ؟
...
عَبَثٌ دَقيقٌ تَنْظيمُهُ
وفَنٌ صَنَعَتْهُ عُقولٌ عَظيمَةُ التَّخَيُّلِ
تَسْبَحُ في ملكوتِ الأفكارِ
لكنَّها تَنْتَقي المُتْقَنَ شَكْلاً
بلا آلية انْتِقاء
وتَتَبَنى القَوانينَ الجامِدَةَ
بِلا آليةِ تَبَنِّى
وبِلا بَحْثٌ عنْ مَعْنىً مُحَدَّداً
أَرْقى مِنَ الرائِقِ المُتَفَرِّدِ
فَكُلُّ ثانِيَةٌ لها تِرْسٌ خاصٌ
وكُلُّنا في ذلكِ حُضورٌ
جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ الآلَةِ العَظيمَةِ
وكُلًّ لَهُ دَوَرانُهُ في مَنْظومَةٍ لا نِهائِيَّةٍ
من التُّروسِ الفاخِرَةِ بِكُلِّ الأَحْجام
كأَنَّما يُريدُ اجتذابَ كُلَّ العُقولِ
كُلَّ المُتَخَيَّلِ
كُلَّ عَوالِمِ الخَيالِ
أُراقِبُ تَضَخُمَ البِناءِ معَ مُضِىِّ الزَّمَن
في كُلِّ الاتجاهات
صوْتُ دَقُّ المَطارِقِ يَصُمُّ أُذُنِي
...
لكنَّ السَّعادةُ تَشْمَلُني
كما لو أَنَّني وَجَدْتُ نَفْسِي
هل انْتَصَرْتُ في مَعْرَكَةِ رَفْضُ الآلةُ لِكَياني
كأَنَّني خَيالٌ بِلا رُؤْيَة
وآلَةٌ يَتِمُّ صُنْعَها آلافَ تُروس
هل ثارَتْ أَحْلامي من عَبثٍ مُسْتسلمٍ
للدِّعايَةِ المُبْتَذَلَةِ عَنْ عَظَمَةِ غاياتِ الآلةِ
أَتَأَلَّمُ مِن صَوْتِ أَرْواحٌ تَخْتَنِقُ مِن بُرودِ الواجِهات
وانتظام حَرَكَةُ الآلاتِ في كُّلِّ مَكان
بلا أيُّ أَمَلٌ بِعَطاءٍ دافئٍ منْ ذاكَ الانْتِظام
بلا وَمْضَةُ حُبٌ بِالامْتِنانِ
تُخْبِرُني إِشاراتُ المُرورِ أَنَّها يَوْمًا ما
كانت أشجارًا وبَعْضُها كانَ لَوْحاتُ تَرْحيبٍ
هل اكْتَفَيْتُ منْ تَجاهُلِ دَوَراني المُستمرٌّ
كأنَّما القَدَرُ قوانينُ آلةٌ
تُخاطِبٌ عَقْلي بِلا كلماتٍ
عنِ الوَفاءِ لِعَبْقَريَّتِها في دَفْعِ العالَمِ دَفْعًا
لجِنونِ السِّباقِ المادِّيِّ
وتعلو وَتيرَتُها يومًا بعد يوم
تروسي مسرعة لكن لا أستطيعُ اللِّحاق
ما أقْساها آلةً عَمْياء
سِرْتُ عَكْسَ الاتِّجاهِ
لا أُمَجِّدُ التُّروسَ العَظيمَةُ
قد فُكَّ أَسْري
خارِجُ مَتاهاتِها الجَميلة
هل وجودي مرهون بها ؟
يأتيني طنينُ ألحانٌ مُتَشابكة
من بعيدِ
أَعدو بعيدا
لا تخيفني صحراء الزُهدِ أو مُحيطٌ بِلا شاطئ
هل تُنْكِرُني التُّروسُ الأُخرى
هل هناكَ انسانٌ ما ؟
مي حواس
مايو 2024




الترام

 2) ليست كل خطوط الترام متشابهة، فبعض هذه الخطوط تثير شجنا ممزوجا بحب غريب للتأمل في قضبانه الحديدية التي تسير لما لا نهاية في الأفق/ وتبدو لنا صامتة ثابتة لكنها تتحرك دوما في حركة سائلة لا نراها نشعر بها فقط نحو أفق وتختفي باختفاء الطريق ويمثل ذلك لدي استمرارية الحياة حيث تنساب أمامنا بانسيابية ونعومة وتبدو لا نهائية لكنها ليست كذلك: لا ناعمة ولا لا نهائية، أو أن حالها متغير، فهناك نهايات غير منطقية أو غير متوقعة، مهما كان حالها تتجسد في محطات سعيدة أو تعيسة: نظن حالنا مثل ذاك الترام، يسير وفق مسار تم رسمه مسبقا، يظن الكثيرين انهم غير مشاركين في صنع حياتهم، أو ليس ذلك تماما، ربما تتشابك وتتشعب دوافع الناس ويصبح مستحيلا وجود دوافع ذات لون واحد صريح، معظم الدوافع ذات ألوان غير صريحة ومركبة، إلى جانب أن نادرها نقي تماما من شوائب أمراض القلوب، تتداخل كل الألوان، وتتشعب الطرق، لكن شجن الطريق ذو طبيعة شجية والغريب انه مفعم بالأمل من تفاصيل بسيطة قد لا نلاحظها مثل زقزقة العصافير وندى الورود والورود نفسها، وجمال الشجر القديم، وغابات النخل، وضوء القمر: وظلال كل ذلك على الأرض، بين الظلال موسيقى آسرة تخاطب الوجدان بعنفوان جلي، وهذه التفاصيل ظاهرة وتراها الأعين لكن تشعر بها البصيرة، وهي موجودة دوما بل بشكل دوري، لكننا لا نراها الا نادرا، فمنذ ان توقفت عن شراء الورد أسبوعيا، لم أعد أفهمها: ولا أدرك ما سر وجود كائنات لطيفة لفترة وجيزة بالحياة بلا أهداف استثمارية، فكيف يمكن للورود ان تحجب جمالها إلا عند انتفاعها، وكيف يتعطل لحن الغروب لمن يعمى عنه، هناك دفء موجود بالكون يتجلى فقط لمن يبصر بقلبه، هناك دفء عميق داخلنا يتناغم مع المسار المجهول المعلوم لنا، هل نعلم اتجاهات الطريق، هل نعلم تحركاته وتغيراته المفاجئة أم ان المعرفة تأتي مع التدريب على السير: التدريب ان تكون حيا، تارة بالليل: وتارة بالموسيقى، هل نعلم ما الصواب والخطأ؟ فما نظنه صوابا قد يتغير ويكون خطأ: أو قد يكون ما نظنه خطأ هو عين الصواب، الليل هو زمان التأمل والرجاء والشكر، والنهار هو زمان رؤية الشمس وظلال كل شيء على الأرض

قد تتقاطع بعض القضبان وقد تتشابك" ويستحيل ان تفرقهم أو ان تتفرق اتجاهاتهم، لكن العكس ممكن أيضا، فالتشابك لا يعنى استمرار التشابك، لكنها مسارات ذات اشكال عضوية وانسيابية، نبدو بها كغابة من الطرق، لا تحزن ان توقف بك المسار مؤقتا عند محطة ما لم تكن مرئية عن بعد، او في مكان مجهول المعالم، هو ليس مجهولا الا بعدم معرفتك به وليس بكونه قبيحا، ربما كان عليك اكتشافه او اكتشاف نفسك مرة أخرى، ربما لم تتخلص بعد من الأقنعة، ربما لابد ان تخلع عنك رداءك القديم، تخلص من المعرفة التي تفرض عليك نماذج وتفسيرات جاهزة تباع في أسواق الحداثة أو التاريخ كلاهما يحتل فتارين الأسواق اتركها تماما/ واسمع فقط ما تقوله الروح، لان الروح تختنق من المعاملات المحسوبة، وتنير كالشمس فقط عندما تدور حول منبعها، واعلم انك لو حجبت نور الشمس بخلا او حقدا أو استحواذا، فاعلم في يوم ما سيكون هناك من يستحق الرؤية وسيرى من حجبته النور



في دوائر

في دوائِرَ تَدورُ أَفكاري تُريدُ الهَربَ، لكنَّهُ وَهْمُ الدَّواء، أملاً بالأمَلِ، يَهمِسُ بِنَظْمِ إيقاع لا يلتزِمُ بلحظةٍ واحدةٍ أو بخطٍ ثنائِيِّ الأبْعادِ وكلما تَرَدَّدَتْ على عَدَدٍ هو مَنْسِيٌّ ما بين ترَدُّدَيْنِ زادَ انجِذابُها في مُتتالِيةٍ نَراها بأْجنِحةِ الطَّيْر وبدورانِ الوُرودِ، هذا المكان المجرد من كل قالبٍ معْهود، ومن كل لونٍ مَخْصوص، ومن كل رغْبةٍ مِزاجِيَّةٍ، ومن كلِّ لحْنٍ مأْلوف، ومن كل هَيْئةٍ تاريخية أو مستقبلية، هل هو وجود حقيقي أم العدم اختارت نديما بدلا عن الناي، منذ اختفائه القديم بين سطور قديمة لا يشعر بها إلا من فقد نفسه في ذلك/ في موج غارق في العشق، وما هو ذلك العشق؟ هل هو ذلك التمحور حول انسان آخر مرآة لها؟ أم هو الورود والجواهر المهداة ؟ هل هو انجذاب لجوهرة روحي المخفية عن الأعين ؟ أم هو انجذاب - لبعض الشخصيات - لقدرتي على الدوران حول كائن آخر؟ كل هذه التفسيرات يتبخر منها ماء الحياة ويذهب كزبد البحر، ولا يبقى إلا وهم عن العشق، كثير من يتكلم نقلا أملا ورغبة في التجلي والتحلي كذلك.
يستكمل
مي حواس
ابريل 2024