الثلاثاء، 14 يونيو 2011

مشاهد

(1)
انها استنجدت بي، تهرب من احساسها انها مراقبة، تلجأ لحمايتي، وانتقلت لتسكن معي عدة أيام في منزلي، رحبت بها جدا، بل سعدت بلجوئها الصادق لي، اريدها صديقتي، وطالما رغبت بأن أحظي بصحبتها، ولطالما رغبت أن أبثها اندهاشي بكيانها المستقل، وبجرأتها، ولفهمها المتفرد لكل ركن ومنعطف في الطريق، وعندما تساءلت عن سبب ذلك الهروب، تعجبت من صمتها البليغ، ولكنني استجبت لها ،طلبت مني الوثوق بقرارها ففعلت ، عن ثقة برجاحتها، ولسبب ما أجهله انتقلنا عدة مرات من مكان لآخر ، للهرب من الملاحقات التي لا نعرف مصدرها، أو سببها،وبرغم ذلك علمت بلا علم قلق عائلتها، فحزنت ،لكن كبرياؤها لم يلن، بت أتحدث اليها بدون حديث، كما تحدثني، تناجيني بثقة ألا أخبرهم عنها، لم أستطع أن أخفي نواياي، فحزنت كثيرا، وبكل ثقة تركتني.

(2)
دولاب أسود معلق، خشبه مشقق منطفئ ولكن عتيق ،معلق ولو قاعدة كبيرة علي الأرض مرتفعة تشكل جزء من الصندوق، والصندوق له عدة أبواب أكبرها في الوسط، وبه مرايا ينعكس عليها صور التماثيل بداخله، كما أن بوابتيه شفافتين والبوابات الأخري داخلها بوابات أصغر منها تنفتح تلقائيا واحدا تلو الآخر،والحائط الخلفي أيضا شفاف ولكنه فارغ خلفه الفضاء الأسود،ولا يوجد أرض، تنفتح بوابتيه الأساسيتين عن تمثال  صغير مثبت علي قاعدة تتحرك للأمام عندما يفتح ،وعندها يتبدل التمثال عشرات المرات من حالة لأخري من تمثال لحتحور المحبة ذات الكبرياء الي  حورس الأسود المصقول الحنون، ثم بوذا المبتسم، ثم شخصين من عصر الباروك بفرنسا وترف التفاصيل المنهك الذهبي، ثم بساطة البتول في حجرها النور، ويليها مباشرة الطائر لبرانكوزي، ربما لأنني أحبه ، وجدته أمامي، وآخر لبراكوزي أيضا لأناس في المدينة،وأشكال أخري ليست بتماثيل ولكن منحوتات بعضها أبراج والآخر صوامع شامخة، وبعضها  تتبدل عشرات التماثيل التي لا أتذكرها الآن ولكن كلها مبتسمة، وبعضها ليس للمشاهير، أذكر أني رأيت تماثيل بسيطة التي يقتنيها البعض للأفيال، والأشخاص الصينيون، لا أتذكر ان كانت هناك موسيقي مصاحبة، ولكن لا احتياج لذلك...كنت فقط أتساءل ان كان هناك سبب أن الصندوق أسود، أو لسرعة تبديل الأشكال...وكيف أقتنيه ولا أقتنيه ذلك الصندوق، ولم يجب أن أستيقظ الآن ؟

(3)
مزدحم ذلك المكان جدا، بالكثير ممن أعرفهم والأغلب ممن لا أعرفهم، وضوضاء تعلو قدرتي علي السمع، ولا وجوه محددة ،بل أناس ممن كتب عليهم السعي الدائم من أجل الرفعة ،والشمس ساطعة تضئ المكان ونحن في صحن مكشوف لمكان يشبه المكتبات العامة، ولكنه ليس مكتبة، وأصوات كثيرة عالية، ولا نظام محدد يحكم حركة الناس، ولكن لسبب ما أسير والي جانبي مرافقي، في مسار ما محدد، وبالرغم انني لم أكن ألتفت كثيرا اليه لأراه وأبادله الحديث تخفيفا من وطأة وحدته، ومبادلته ابتسامته المستمرة، إلا أنني لم أكن أفعل ذلك إلا لماما، وبالرغم من ذلك كان مرافقي مخلصا ورقيقا ملاطفا،ومتقبلا صمتي، وفجأة ربما لسبب مجهول لي، ولسبب آخر هو تجاهلي له،وربما اشارتي الصامتة الي انه ربما رحلتنا سويا الي الإنتهاء،وأنه يعلم ذلك تماما وذلك سر حزنه المستمر، لقد رغب في عكس ذلك، أو ربما ذلك اعتقادي الذي أحببت أن أقتنع به،  وجدته يسلم علي سلاما رقيقا مودعا ومثبتا لي، لقد حانت لحظة اللإفتراق، وعندها فقط علمت أنني ماكنت لأسير في ذلك المكان الغير محدد المسار بلا دفء سروره، وفي اللحظة التالية غيرت المسار بلا تفكير، توجهت في ثوان لمصعد دائري زجاجي يرفعني لمكان آخر، ووجدت به أشخاص آخرين أعرفهم ،ولكنهم ليسوا بمرافقين بل مجرد أقنعة....لم أعرف إلي أين انتهي بي المصعد...والشمس ساطعة دوما