الاثنين، 29 أبريل 2019

طواف



كنت أسير كثيرا بلا توقف، بلا رغبة في التوقف، بلا رغبة في العودة، بلا رغبة في فعل أي شيء، اردت تصديق أنني بلبل طليقة من كل شيء، حتي من الجسد وقوانين الجاذبية، وقوانين الطبيعة الفيزيائية، وحرة من قيودي، حرة من كل ما يقيدني ماديا أو نفسيا، كان الكون ذهب ولم يعد هناك أي شيء مما عرفت أو مما سأعرف، يخالجني شعور بان ذلك الخيال أكثر واقعية من كل المظاهر، التي لم تعد براقة ولا خلابة ولا مهمة، بل تحجب فقط، ربما لو لم تكن موجودة، كان ذلك أقرب لطبيعة الكون الجميل ببساطته، أجمل شيء هو وجوه بسيطة تقترب من إلهها لا ترجو شيئا إلا القرب، لا الفخامة ولا المتعة، بل كل المتعة هو زوال تلك الغلالة الرقيقة التي تحجبنا عن المعرفة الحقة، عن رؤية الملائكة، عن رؤية تنزلات الرحمة من السماء، عن رؤية أبواب السماء، عن جمال كل شيء، عن جوهر كل الخلق، عن ادراك الرحمة، عن الايمان بالرحمة، عن التوقف عن الخوف من كل ما هو غير عقلاني وكل ما هو غير محسوب وكل ما هو غير نافع بمقاييسنا.
أسير واجد مكانا في كل مكان أذهب إليه للصلاة، أجد نفسي فجأة بالقرب من الكعبة قد ألمسها، ولا أجد عضاضة أبدا في وجودي وسط ناس لا أعرفهم، انا لا أشعر بالازدحام أشعر اننا كلنا روح واحدة، كلنا نفس الانسان نفي الروح، كلنا في حالة ظمأ لنبع حبه، لنبع الروح، أري اخلاصا، أتمناه لنفسي، اري اخلاصا ينتابني رغما عني، رغم الخوف من الوهم...
كنت أقف بعيدة عن الجمع ثم قررت الانضمام، لا شيء يمنع ذلك، لا يشغلني أنني وحدي، او صمتي، لا يشغلني شيء الا صلواتي، لكن لماذا شغلتني الصلوات، عندما عدت إلي الدور الأول من المطاف، وجدت نفسي أنظر للكعبة لا أدري ماذا يجذب بها، رأيتها فجأة كمكان انطلاق متصلا بكل السماوات السبعة فوقها، وفي هذا رأيت أننا لسنا حقا نطوف من أجل الدعاء، ولكن من أجل ان نكون في الملكوت الأعلى، هذا الوصال يبقي أرواحنا سماوية، الذي يجعلها أقوي من الجسد والنفس، أرق من العبير وأضني من السيف، وتذكرت عندها ان كل شيء موصول به وان لذلك علم خفي لا نعلمه، واننا لنعلمه لابد ان نخلص أولا ان نصدق أولا ما هو غيبي. لم أعد أتساءل كثيرا إلي أين أذهب فقط أجد خطواتي تقودني لما يجب فعله، لا أخشي التيه، ولا أخشي البنايات الضخمة التي تحيط بالحرم...كنت اظن انني علي وشك مقابلته، لكنني لم أره، ربما رأيته في ابتسامة طفلة، أو في نظرة حب من مؤمنين، بل وجدته من كثيرين ليسوا يتعبدون من أجل المباهاة، هذا المكان ليس جديدا رأيته مئات المرات ليس رؤية العين، رأيت مكانا آخر يشبهه، هو مكان آخر طفنا جميعا به، مكان آخر ربما تجلي من خلال هذا المكان المقدس، ربما أعلي منه مقاما ولكن متصل به لابد ان نطوف كلما تمكنا من ذلك، لابد ان نسعي كلما تمكنا من ذكل، هذا الطواف هو ما يبقينا أرواحنا، هذه الصلوات الخمسة ليست جسد يتحرك، بل روح تصلي تتحدث من خلال رمزية حركة الجسد، ترسل رسائلها طيلة الوقت تخاطبه طيلة الوقت حتي في أوقات الصمت تتحدث

مي حواس
2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق