الأربعاء، 9 أبريل 2014

صمت

لا أريدُ الكِتابَةَ،  انني أَكْتُبُ رَغْمًا عني، رغمًا عن صمتي الدائمِ وغضبُ سيدي، نعمْ سيدي يكرَهُ أنْ أكتبَ كثيرًا، إنني أذكرُهُ بنفسِهِ عندما كانَ صغيرًا فتيًا، مسموعَ الرأْيِ، حرَّ الحركَةِ والاختيارِ، وسريعَ النبضِ، انه لا يريدني حرًا رغمَ حبهِ لي، إنه يريدني فقطْ صورةً منْهُ، يعيشُ من خلالي شبابَهُ كلَّ يومٍ، يعيشُ من خلالي شيخوخَتَهُ بالطاعةِ والإجلالِ، فقطْ يريدُ مني ما يجعلُهُ حيًا موجودًا، ذو غايةٍ للحياةِ بينَما حبُّهُ لي لا يثيرُ لديه اي مسئوليةٍ نحوَ سعادَتي الشخصيةِ، فهو يتوهمُ أنني سعيدٌ فقطْ لِسعادتِهِ، موجودٌ فقطْ منْ أجلِهِ، رائعٌ فقط بسببِهِ، جميلٌ فقط بسببِ رِضاهُ عني، واقتناعي بمنظومةِ حياتِهِ، وقانعٌ بما قررهُ لي من أهدافٍ وواجبات، قد تكون امتدادا لسلسلةٍ طويلةٍ من الرؤي والقيمِ المتوارَثَةِ عبرَ أرْواحِنا.
ان كتاباتي تستفزُّ نزعتَهُ الرهيبةَ للسيطرةِ، فلابد أنْ تكونَ كتاباتي بسبب وحيِهِ لي، او بسبَبِ تشجيعِهِ فقَطْ، رغم انه لم يشجعني علي الاستمرار بالكتابة يومًا، بالرغم انه يعشقُ الكتابة ، فهو أيضا أديب، لكن لسببٍ ما توقَّفَ عن الكتابةِ، ربما كان ذلك التوقفَّ يعني أن يتوقفَ الجميعُ عن تحقيقِ ما يحبونَهُ في الحياةِ، ربما يعني لديْهِ أنَّ لا أحد مسموحٌ له أن يختارْ ، فكما حُرِمَ هوَ من الاختيارِ لابدَّ ان يتحملَ الجميعُ عاقبةَ ذلك الحرمان، لابد للجميعِ أنْ يكونوا شركاءَ في تلكَ المسئوليَّةِ التي لزمتْهُ طيلةَ حياتِهِ في إِدارةِ أعمال العائلةِ بعيدًا عن الكتابَةِ والأدبِ، ورغمَ مقاومتِهِ لذلك المصير، إلا انه كانَ سببًا في حدوثِهِ وجزءًا منهُ، بسببِ رؤيتِهِ الفكريَّةِ والمتسلطَةِ للحياة.
أكتبُ رغمًا عني، رغمًا عنهُ، رغمًا عن عقلِهِ الأنانيِّ والمتسلِّطِ، أشعرُ عيناهُ غاضبةٌ من اصراري علي حبِّ نفْسي، لا أدري لمَ يكرهُني إلي هذا الحدِّ، لا أدري ما الذي فعلتُهُ غيرَ طاعتِهِ في كلِّ قراراتِهِ وخططِهِ، لكنني أيضًا كنتُ أنتقدُهُ ردًا علي جُرأتِهِ في الاستئثارِ بكل البريقِ المهنيَِ، ورداً علي تَعاملاتِهِ الغيْرِ العادلةِ التي تتحكمُ بها أهواؤُهُ الشخصيةِ نحوَ الأفرادِ، فذلك يدنيهِ لانَّهُ يمنحُهُ ما يريد، وذلك يحبه بلا سببْ غيرَ أنَّ لديْهِ ما لا يملكَهُ، كما أنني لا أفعل الأشياءَ من أجلِ ارضائِهِ ، وذلك يستفزُّه جدًا، لانَّهُ يعتقد أنَّ ابداءَ الإخلاصَ له أثناءَ الفعلِ دليلٌ علي الصدْقِ، بينَما أنا أري العكسَ تَمامًا.
حقا انه يمثل لي حالةٌ منَ الخوفِ علي مصيرِهِ، فهو لذلك يُسَخرُ الجميعَ من أجلِ قيمِهِ، التي يؤمن أنها سرُّ الوجودِ، ورغْمَ تَحْقيقِ أشياء َكثيرةٌ فهوَ غيْرُ سعيد لأنه لا يريدُ كلُّ هذهِ الأشياءِ، وفي سبيلِ ذلِكَ يهدم أشياءَ جميلةً لا يَراها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق