الأحد، 27 أبريل 2014

اللاكتابة

لا أُريدُ الكِتابَةَ ، فَهِيَ تَبْدو كَعَمِلٍ أَدَبِيٍّ لا مَكانَ لَهُ بَيْنَ واقِعيَّةِ الأَرْقام، وهُوَ يَتَجاوَزُهُ، ولا يَتَحَوًّلُ لِرَقَمٍ أََبدًا، ولأَنَّ كُلُّ ما هُوَ رَقَمَّيٌ...مُبَجَّلٌ، وكُلْ ماهُوَ غَيْرُ رَقَمِيٌّ ... مُدَنَّسٌ، ولأَنَّ كُلَّ ما نُريدُهُ في عالَمِ الكِتابَةِ وَعْيٌ لا يَرْتَبِطْ بِالضَّرورَةِ بالأشَيْاءَ اليَوْمِيَّةّ، ومُْعْظَمُها يُشَتِّتُ التَّرْكيزَ، غَيْرَ أَنَّ التَّرْكيزَ العَمَلِيُّ يَتَضَمَّنُ تِلْكَ الأَشْياءَ اليَوْمِيَّةُ، في يَوْمٍ ما سَتمتلأ بِهَِذِهِ الأَشْياءِ اليَوْمِيَة وسَتُصْبِحَ عِبْئًا عَلَيْكَ إِنْ لَمْ تُعايِشُها لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ لِيَنْتَهي دَوْرُكَ في الوَعْيِ بِها ولِتَبْدَأَ مَرْحَلَةِ ماذا أَضافَتْ تِلْكَ الأَشْياءُ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ نَوْعِيَّةِ فاعِلِها.
لا أُريدُ الكِتابَةَ، فالكِتابَةُ الآن سَقَطَتْ في حَواجِزِ المَلْموسِ، وفَقَدَتْ التَّجاوُزَ، لم تَعُد تَحْمِلُنا إِلي عَوالِمَ أُخْري من الوَعْيِ بِقُدْرَتِها عَلي التَّخاطُبِ مَعَ العَقْلِ في وَعْيٍ أَكْثَرَ وَعْيًا، بَلْ ارْتَبَطَت الآن بالعَقْلِ في إِطارٍ أُفُقِيٍ، وأَصْبَحَتْ تَتَفَوَّق عَلي قُدْرَةِ الإِنسانِ عَلي الوَصْفِ، فهيَ تَصِفُ كُلَّ شَئٍ بِعِنايَةٍ فائِقَةٍ تُوهِمُ بِها القارِئَ أَنَّهُ انْتَقَلَ فِعْلاً لِهذا العَالَمَ، بَيْنَما هِيَ لا تُخْبِرَهُ كَيفَ يَفْعَلْ ذَلك، هِيَ تُخْبِرُهُ فَقَطْ ما هذا المَكان، وما شَكْلُهُ.لكِنَّها حَقيقَةً لا تَعْلَمَ تَفْسيرَهُ.
لا أُريدُ الكِتابَةَ 
فَهِيَ كِتابَةُ العالمُ الإِنْسانُ باعْتِبارِهِ الكَيانُ الأَوَّلُ والأَخير، لاسَيَّما أَنَّهُ المُتَفَوِّقَ فِعْلاً كمَخْلوق، علي ايجادِ المَعاني ومَحْوِها.
لا يَكفي أَنْ تَكْتُبَ العالَمَ الذي تَراهُ لكَيْ يَكونَ موْجودًا لَدي الآخَرينَ لابُدَّ أَنْ تُقَدِّمَ دَليلاً كِتابِيًا لِمَصادِرَ تُشيرُ لاحْتِمالِيَّةِ وُجودِ عالَمِكَ الخَيالَيِّ في مَكانٍ ما في التاريخِ، أَوْ مَكانٍ ما لَدي العالَمَ الأَوَّلَ، وإِلا مَنْ سَتَكونُ في مُواجَهَةِ تِلْكَ النُّصوصُ؟ وما هِيَ أَصالَتُكَ في ذَلك؟ أَنْتَ مُحاصَرٌ بِقُدْرَةٍ عَلي قِراءَةٍ واحِدَةٍ، ولِذلِكَ أَنْتَ وَحيدٌ في العالَمِ.
رُبَّما كان أيضًا العالِمَ الذي أُريدُ الكِتابَةَ عَليْه عالِمًا غَيْرُ عَقْلانِيًا ولا يَسْتَطيع أَنْ يَكون كَذلِك، وقَد يَكون عَالِمٌ سيرْياليِ مُفْتَقَدْ القانونْ، لَكَنَّهُ لَيْسَ كَذلكَ فَقَطْ، أَنَّهُ عالَمُ غَريبٌ لا يُمْكِنُ تَفْسيرُ كُلَّ شَئٍ فيهِ بِمنْطِقَ الفائِدَةَ واللافائِدَةَ.
رُبَّما الكِتابَةَ تُذَكَّرُني بِعالَمي المَفْقودْ.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق