السبت، 6 سبتمبر 2014

لا شرق...لا غرب

منذ فترة تزيد عن العامين أجد الصمت يحتويني أكثر فأكثر، عزوف ليس فقط عن مناقشة بديهيات، لكن عن التفكر في كل ما يطرحه البعض باعتباره مهما، نحن ما زلنا نقف عن الأبجدية، ونبحث في معني الوضوح، لا نريد تركيبات كثيرة وان كانت واضحة، رغم أننا داخليا نتكون من عدة مكونات متراكبة وفي علاقات هندسية ثلاثة أبعاد، نعم المعني المركب رباعي الأبعاد، نراه فقط عندما نريد ان نراه، وغالبا نحن نري تركيبه دون أن نري المعني، أو نري المعني لكننا نجهل تركيبه، فما يكون تمثيل سلام الحب في مجسم أو شكل هندسي ثلاثي الأبعاد أو عدة أشكال معا ؟ وهل هناك قانون ؟ هل هذه أسئلة حقيقية ؟ لابد أن يطرح السؤال في سياق ما، وليس سؤال عام خارج أي سياق أو أطروحة منظمة.
لكن عودة مرة أخري للموضوع الأساسي، وهو ما الذي جعلني أصمت عن التعقيب في كل الأحداث السابقة، رغم كل العوامل المستفزة التي واجهتها، والآراء السطحية أو المتحيزة، نعم انه عصر التحيز بامتياز...عصر يتجلي فيه التحيز بأكثر صوره خداعا.ليس فقط تحيز بين الشرق والغرب، بل.التحيز الذي نراه حولنا لأي جهة فنحن : عنصريين حتي النخاع.
بدءا من الإنتماء القبلي مرورا الي العائلي، وأدبيات كثيرة تؤكد علي أهمية الانحياز للعائلة علي الأقل، والدعوة ليست لكسر الرابطة العائلية، لكنها حجاب وفخ قد يحجب عنا أماكن أرقي من المشاعر والأخلاقيات الرفيعة وهناك التحيز الطبقي
لكن رأس التحيز هو التحيز للمادية، وقد اشتقت منه كافة التحيزات التي نراها حولنا، نحن تخذ مواقفا تحيزا للجانب المادي للتفسير، الجانب المادي أو الملموس أكثر سهولة لفهمه بالنسبة لنا، لذلك فالإنحياز له ليس فقط بلا وعي( لأننا نبحث عما لا يختلف عما اعتدناه من روابط بين الأمور) ولكنه أيضا تحيزا لا يقبل الشك أو لااعتراف لان الدليل المادي ( الإمبريقي ) موجود عن الحدث يتحدث بدلا عنه
علي الصعيد السياسي، نجد ان تفسيراتنا لعديد من الأحداث التي وقعت دوما متناقضة، والتناقض يصل لحد يصعب معه الإتساق بين الأنسجة، فما سر ذلك التناقض الذي لا يقبل طريقا معتدلا أو متوسطا بين النقيضين ؟ وكيف لا نري تناقضاتنا في الحكم علي نفس الموقف، سر التناقض ليس إلا نتيجة التحيز والحكم المسبق علي الأحداث والأفراد، والسياسات، لا يقبل بديلا أو شكا، تحيز في موقفه يصل لليقين التام باننا علي علم بكل شئ عن مادة ما، بل لأننا نظن أنه يقين وهو ليس كذلك بل هو ظن فقط ، لأن اليقين المطلق لا وجود له، اليقين الذي لا يقبل بوجود الشك، ليس يقينا بل تحيزا.
التحيز الذي يتنكر في صورة يقين أو إيمان، هو تحيز أعمي متجمد لا يتطور إلا وفقا لآلية تزيده تحيزا، والتحيز لا يخلو منه اي بحث أم انتماء، لكن التحيز لا يعني نفي الإنتماء أو الدفاع عن إيمان، لكنه يعني ان يكون المتحيز نافيا لوجود تحيزات أخري تحيط به، وهو يخضع كل المنظومات المعرفية لآلية تفكيره وادوات تحليله إن تناقضت تلك الآليات مع أسس منظومة أخري، ومثالا علي ذلك، نجد "أولج جرابار" يحاول إعادة تعريف الجامع باعتباره ليس مكانا بالأصل دينيا، وذلك لأنه مكانا جامعا لأنشطة أخري غير الصلاة، فكيف ندعي ان المسجد مكان مقدس أو ديني، بينما هو أيضا تجمع للقضاة وبعض الأنشطة التعليمية وأحيانا التجارية (ملحقا بمبني الجامع) ومكانا للشفاء في البيمارستان، بالتالي نستطيع استنتاج ما يلي :
ان تعريف المسجد لدي أولج جرابار باعتباره مكانا جامعا جاء نتيجة اعتقاد مسبق وغير معروف المصدر- يخضع فيه الجامع لمعيار تعريفه للمباني الدينية كالكنائس، وسبب ذلك ربما كان نتيجة الحال التي آلت إليه جوامعنا- أن الصلاة نشاط منعزل عن باقي جوانب الحياة، وموقفه وان بدا متحيزا لمنظومة دينية مختلفة، وقد يعتبر أساسا لنقض الفكرة العامة عن الصلاة باعتبارها وسيلة التواصل بين الخالق والإنسان، لكنه لم يتخذ هذه النتيجة الصادقة لتاكيد أن الإسلام ليس منعزل عن الحياة، وانه لا رهبنة في الإسلام، بل الدين والحياة وجهان لعملة واحدة،  بل استخدم استنتاجه ذلك كوسيلة أخري لتأكيد هدفه الأساسي، ان مبني الجامع لم يكن أمرا إلهيا بالتالي هو ليس مبني ديني، وبالتالي، لا يوجد مكان يمارس فيه الصلاة، أو لا ضرورة لوجود ذلك النوع المعماري، بالتالي فإن الفكرة الأساسية تم استيرادها من الكنيسة، ولم يجد أولج جرابار عضاضة ان تتحول كل معابد النار في مصر قبل المسيحية الي دور عبادة للمسيحيين، كما ذكر المقريزي، لكنه وجد تناقضا لوجود الإسلام كدين وعقيدة هي استمرار للبشرية وأن يكون الجامع كمعمار جامعا للحياة والدين معا مرة أخري،تعبيرا عن قيم مطلقة في تلك العقيدة، و كنموذج معرفي مختلف عن النموذج المعرفي الذي يقدمه معمار الكنائس، فوجود تشابه بين عناصر متنوعة داخل المسجد والكنيسة لا ينفي اختلاف الرسالة التي يتم التعبير عنها من خلال معمار كلا منهما، كما أن أصالة العنصر المعماري أو الزخرفي ليست إلا مادية في تفسير تلك العناصر، حيث ان أصل العنصر المعماري لا ينفي التحول الفكري الذي اصطحب التطور الشكلي لذلك العنصر.
ألا يكفينا معاناتنا من تحيز الغرب لجنسه المتفوق جينيا، كما يعتقد، إن علم الأجناس كما بدأ منذ قرون أثبت علميا (كما يدعي المستشرقون) أن جينات الجنس الأبيض تتفوق علي باقي الأجناس، كل ذلك لكي يكون ذريعة للاحتلال الذي استمر سنوات طويلة من التحكم في موارد الدول والإستبداد، أما أن يكون المصريين أنفسهم ذو نزعة طبقية عرقية أو فكرية أو جينية، فتلك سياسة أخري ورثناها عبر سنوات طويلة من الإستعمار، وسيلتك للتحكم في قطاع عريض من الشعب المصري البسيط ومن شعوب أخري كذلك، فتكون مصر صنعة الإستشراق، ومصر الآن صنعة الإستعمار عن بعد، ولنلقي نظرة عن قطاع عريض من أصدقائنا من الجنسيات الأخري المحبون لمصر، لكنهم أيضا يرون أنفسهم أكثر علما بها وأكثر أحقية بمدننا، وقد يكونون فعلا أكثر علما، لكن قطعا ليس بالضرورة يوجد لديهم فهم لطبيعة المصريين ولرغباتهم، لتركيبتهم النفسية، لأحلامهم البسيطة أو غير البسيطة، لطريقة معيشتهم. كل ذلك يتم رصده وتفسيره قياسا بنمط حياة آخر ليس من هنا.  الموقف المتحز موقف حضاري ، لا يختلف كثيرا عن موقف المتدينين الذين يريدون نزع الدين من باقي المسلمين خارج اطار منظومتهم، بإدعاء الأحقية التي منحهم لها الإله (علي حد زعمهم)
كيف لنا بعد ان اتضحت عنصريتنا ان نشجب أو نتشدق بشعارات المساواة والحرية ؟ نحن من يوظف هذه القيم.
كيف لهم بعد ان اتضحت عنصريتهم ان يشجبون أو يتشدقون بشعارات المساواة والحرية ؟ هم من يوظفون هذه القيم.
في النهاية أكاد أزعم انه لا يوجد شرق وغرب

لكن يوجد تحيز بلا بصيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق