كالمراقبِ من بَعيدٍ
أَخْشى الاقترابَ من سورٍ عَجيب
بَلْ أَتَجَنَّبُ طُرُقاً تَنْتَهي لَدَيْه
نهاياتُ بِناءٌ من ساعاتٍ شاهقةٍ
تَعْكِسُ أَضْواءَ تُروساً عَظيمَةً
ومُحيطهُ سورٌ زُجاجِيٌ رائِعُ الجَمال
تَتَجلى بها آياتُ الحِرَفِ والتُحَفِ
وتَتَناغَمً بِها الأَلحانُ والأَنْغامُ
واللؤلؤُ والألْماسً
في مَزيجٍ منْ زَخَمِ زَخارِفُ الروكوكو
وعَبَثِيَّةُ رَسمٌ عصريٌ للكِلاسيكِيِّ الفَرَنْسِّي
وتَضْخيمُ المقرنصَ المجردَ
في تَشْخيصِ دَوْرُهُ الجَديدُ
في مَسْرَحيةٍ يَتِمُّ تَسْويقُها
لإعادَةِ الطَّريقِ والطَّريقَةِ والشَّكْلِ
بِلا أَيُّ ذِكْرٍ لِدَوْرِهِ في عالمِ الحَقيقَةِ
وما الحقيقَةُ؟
أَلَيْسَتْ هي فقط المُتَجَسِّدُ بِالأَلْحانِ والنِّسَبِ ؟
كما تراها القياسات فقط ؟
...
عَبَثٌ دَقيقٌ تَنْظيمُهُ
وفَنٌ صَنَعَتْهُ عُقولٌ عَظيمَةُ التَّخَيُّلِ
تَسْبَحُ في ملكوتِ الأفكارِ
لكنَّها تَنْتَقي المُتْقَنَ شَكْلاً
بلا آلية انْتِقاء
وتَتَبَنى القَوانينَ الجامِدَةَ
بِلا آليةِ تَبَنِّى
وبِلا بَحْثٌ عنْ مَعْنىً مُحَدَّداً
أَرْقى مِنَ الرائِقِ المُتَفَرِّدِ
فَكُلُّ ثانِيَةٌ لها تِرْسٌ خاصٌ
وكُلُّنا في ذلكِ حُضورٌ
جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ الآلَةِ العَظيمَةِ
وكُلًّ لَهُ دَوَرانُهُ في مَنْظومَةٍ لا نِهائِيَّةٍ
من التُّروسِ الفاخِرَةِ بِكُلِّ الأَحْجام
كأَنَّما يُريدُ اجتذابَ كُلَّ العُقولِ
كُلَّ المُتَخَيَّلِ
كُلَّ عَوالِمِ الخَيالِ
أُراقِبُ تَضَخُمَ البِناءِ معَ مُضِىِّ الزَّمَن
في كُلِّ الاتجاهات
صوْتُ دَقُّ المَطارِقِ يَصُمُّ أُذُنِي
...
لكنَّ السَّعادةُ تَشْمَلُني
كما لو أَنَّني وَجَدْتُ نَفْسِي
هل انْتَصَرْتُ في مَعْرَكَةِ رَفْضُ الآلةُ لِكَياني
كأَنَّني خَيالٌ بِلا رُؤْيَة
وآلَةٌ يَتِمُّ صُنْعَها آلافَ تُروس
هل ثارَتْ أَحْلامي من عَبثٍ مُسْتسلمٍ
للدِّعايَةِ المُبْتَذَلَةِ عَنْ عَظَمَةِ غاياتِ الآلةِ
أَتَأَلَّمُ مِن صَوْتِ أَرْواحٌ تَخْتَنِقُ مِن بُرودِ الواجِهات
وانتظام حَرَكَةُ الآلاتِ في كُّلِّ مَكان
بلا أيُّ أَمَلٌ بِعَطاءٍ دافئٍ منْ ذاكَ الانْتِظام
بلا وَمْضَةُ حُبٌ بِالامْتِنانِ
تُخْبِرُني إِشاراتُ المُرورِ أَنَّها يَوْمًا ما
كانت أشجارًا وبَعْضُها كانَ لَوْحاتُ تَرْحيبٍ
هل اكْتَفَيْتُ منْ تَجاهُلِ دَوَراني المُستمرٌّ
كأنَّما القَدَرُ قوانينُ آلةٌ
تُخاطِبٌ عَقْلي بِلا كلماتٍ
عنِ الوَفاءِ لِعَبْقَريَّتِها في دَفْعِ العالَمِ دَفْعًا
لجِنونِ السِّباقِ المادِّيِّ
وتعلو وَتيرَتُها يومًا بعد يوم
تروسي مسرعة لكن لا أستطيعُ اللِّحاق
ما أقْساها آلةً عَمْياء
سِرْتُ عَكْسَ الاتِّجاهِ
لا أُمَجِّدُ التُّروسَ العَظيمَةُ
قد فُكَّ أَسْري
خارِجُ مَتاهاتِها الجَميلة
هل وجودي مرهون بها ؟
يأتيني طنينُ ألحانٌ مُتَشابكة
من بعيدِ
أَعدو بعيدا
لا تخيفني صحراء الزُهدِ أو مُحيطٌ بِلا شاطئ
هل تُنْكِرُني التُّروسُ الأُخرى
هل هناكَ انسانٌ ما ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق