السبت، 24 مارس 2018

القنينة




ينتهي كل يوم بلا معرفة كيف سأنجو من ذلك المكان، لا أعلم من أكون ولماذا أطيع صوتها كأنني منومة مغناطيسيا، تحذرني أن أحب نفسي أو ان اسمعها، تحذرني من ذاتي كأنها العدو، هذا الصوت الرخيم
لكن ما عاد الصمت يجدي، ما عاد الصوت حقيقيا، يبدو ضعيفا متخاذلا وأحيانا منتصرا رغم معاناتي، ما هذا الصور العدو، ما هذا الغدر اللئيم الرخيم المحبب إلي...لماذا أحب كل ما هو مهلك لي...لا لم أصمت خوفا منك يا صوت، كنت أعبث معك، مواقفي التي تراها سلبية ليست ضعفا كما تتهمني، بل أردت أن اكون محايدة، اردتك يا صوتها ألا تهلكني، لو كنت حليفا لهذا الانسان الغاضب الذي يؤذيني كثيرا، لقد كشفت فقط عن عداء هذا الفتي لك، وتركتك لتنتصر لي، لم أعد أعبأ كثيرا بحمل السلاح، لكن رغم ذلك كنت أتألم، كان النزف مستمرا لأنني سمحت له بالكشف عن غضبه في مواقف عديدة لا تستدعي غضبا أو انفعالا، وكنت أتلقاها بلا غضب، كان غضبه الذي تفجر الأخير الأكثر انفجارا عندما اتخذت موقفا ايجابيا انقاذا لروحي، وكان هو الموقف الأول والأخير معه لم أحيد عنه مما جعل غضبه يزداد حيث كان عاجزا عن فعل أي شئ أمام برودي كما كان يراني. كما اتهمني بالغدر حيث تركته يتلقي العقاب ولم أسامحه، وكيف أسامح من يقيد روحي ويريدها معلقة بسلسلة يقودها.
لم أكن أعلم أنني تلك القتاة التي لا تفقه كيف تتخذ موقفا لذاتها، ولا تستطيع التمييز بين محب وممثل، ولم يكن ذلك من شيمي كما كنت أري باطني يستطيع التمييز لكنه يفتقر إلي وسيلة للتواصل، حيث منع منها تماما، لم يكن هناك من أشكو له أو أحكي له مخاوفي، فأنا شديدة التحمل ولا أتهاون في واجباتي، ولم يملك أحد مساعدتي، كان الكل متألما لي في صمت. لكن هناك سم يسري في دمي، سم لا يرحم، ويكاد يتوقف قلبي بسببه، كأنه غرز ذلك السم به وبدأ قلبي يضخه بشكل طبيعي، فلم اكن قادرة علي علاجه، لم يكن لدي أي قوة سلبت مني تماما، وفي الليلة التي تليها رأيتني أقف في مكان ما ضبابي لا أري شيئا لكن الرؤية اتضحت تدريجيا، وكنت أشاهد نفسي من بعيد كطفلة تقف في صحراء ثلجية أمام أربعة شيوخ لهم لحي بيضاء تماما كالثلج، شاهقين للغاية كأنهم جبال، نورانيون بلا جسد مادي ومد لي يده أولهم الي يساري حاملا قنينة صغيرة للغاية، لا أتذكر الكلمات القليلة التي تحدث بها، لم أعقب لكننا تواصلنا سرت اليه ببطئ ومددت يدي أتناول تلك القنينة الزجاجية، وكنت أقف أمامهم في اجلال وأراهم جيدا لكن لا أستطيع الحديث، أتذكر جيدا انني عندما اقتربت منهم رأيتهم في حجم انسان كما نراه في الدنيا، كذلك كنا نقف في مكان ليس بعيدا عن الضوضاء الأرضية كنت أستطيع أن أستشعر الزخم والفوضي ولكننا بمعزل عنها، كأنها غيمة أو هالة نقف في حمايتها، وتجرعت ما بها تماما، لأشعر ان قلبي قد شفي تماما وجسدي كذلك وسرت راحة وطمأنينة أعادت لي روحي، أتذكر ان هناك مصحف لكن لا أدري كيف رأيته، ولا أعلم هل كان ممسك به بيده أم انني رأيته في فكري فقط، ربما كانت الكلمات لتهدئتي ولكنني أتذكر تأثيرها ولا أتذكرها، أتذكر فقط الصدق ومدي ما كنت فيه من انكار لي في الدنيا لكنني لم أشعر بذلك أمامهم. استيقظت في الدنيا وكنت معافاة تماما، من كل آثار ذلك السم.

نفقد حكمتنا عندما نرفض ماء الصدق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق