السبت، 1 أغسطس 2015

غيبة

كنت وما زلت، كالعائم في أماكن لا يعرفها، يمر يومه كما يمر، يمر به ولا يمر، يتوقف فلا يعبأ به الزمن، يستمع لرغبات الموت، لكنه لا يعرف كيف يخرسها، كنت أظن أن ثمة حياة، لكن كل تلك الأحاسيس الشجرية، جفت تبخر منها الماء، ثم تفتت ، وفي اول هبوب تناثرت، وتناثر معها وجداني، إلي جزيئات بل الي آلاف الجزيئات، الكرستالية، لكن مطموسة بالحزن،
كنت اسير بين الناس لا أراهم ويروني ولكنهم لا يروني، يرون ما يريدون أو ما لا يريدون مني، وكنت لا أراهم، كنت تحولت الي دمعة متلألئة، ونزيف، لا  تظهري الألم، فلا سبب للتعاسة، فالتعاسة تبتز الجميع لتظل محلقة فوق رؤوسنا، والتفتح يظل يلوح لنا من بعيد لا يستطيع الاقتراب من اسلحة الفتك التعيسة، أو من نيران القيود التي تجعل القناعة شبيهة بالعبودية
كنت أختنق، فلا قدرة لي علي السير البخطوات مقدمة، وأنا بين عذاب القلق المتضخم، والخوف المرتقب من كل شئ أقترب منه أو يقترب مني
ولا سبيل لدفع الخوف، وكان هذا الوحش الكاسر لا يعبأ بتوسلاتي، ولا يعبأ بتهديداتي، لا أدري كيف تمكن من خيالي لهذا الحد، ولم تركت أسلحتي في أماكنها
هل كان الياس متمكنا مني، هل تناقضت سلامتي، وروحي مع روح أخري؟ هل فضلت روح أخري علي وقدمت نفسي فداها ؟
ومن هي تلك الروح ؟ هل هي ذلك الصوت الحنون الذي اسمعه منذ صغري؟
لكن ليس فقط هذا الصوت الذي يبث دوما افكاره في عقلي، هناك تلك الأنا الغائبة عني، التي اختارت ان تغيب، أو التي حكم عليها ان تغيب مرة أخري، كيف تستمر بعد ان انهارت كل تلك الصروح المشيدة، أو التي تم تجاهلها، أو الاستغناء عنها تماما، كانها لم تكن، كأنها كانت عدما، كأن كل أنفاسي التي عشتها به، كانت خطأ فادحا، ما عادت تلك الأنا بقادرة أن تستمر، ما عاد لوجودها معني، فكان معناها ليس منفردا، لكنه ذهب فجاة، بلا مقدمات، لكنها عندما غابت، غاب معها كل شئ، كل ما كنت أحلم به في حضوره، وكل ما شيدته وشاركته، كل أفكاري كان تم استباحتها، ولم تعد لي، ولم تعد لنا، ولم تعد بالمرة
غابت كل الأشياء التي بنيناها...اختفي عالمي في تلك الغيبة
ألا أيتها النفس الغائبة؟ أحن إليك، لم تتركيني وأنا أنت ؟ وكيف لي أن يكون لي ذاكرة، او كيان في غيبتك، وان عدت يوما ، أسمع نفسي من مستقبلي أسألك كيف سأجد الحياة بعد تلك السنوات التي مضت علي كأنها نصف حياة ؟ كيف اكون بدوني...كيف اكون بدونك ؟
كيف تتركيني للصوت الذي يخبرني انني قد غبت تماما، ولم اسمع صوتي
لا أسمع صوتي
 كأنها ذكري لحياة، كأن حياتي القادمة تعود أمامي الآن أعيشها قبل أن تكون، كنت أعلم أنها ستحدث يوما، كنت أعلم إلي أين أسير ولم أستطع تغيير اتجاهي، ولم أفطن الي مغزي الرؤيا المبكرة، ولم أفطن إلي  مغزي النجاة من استنزاف الروح في غير عودة
لم أصدق انني كنت أحد الأدوار المكتوبة، وأنني فقط أقوم بدوري في الرواية الجديدة،وفمصير كل شئ قد تم تحديده مسبقا، ونحن ننفذ ما قد قدرنا له...في الحياة العائمة تصبح الثواني الحالية غائبة، لا يوجد الآن ، فلا يوجد غير ما هو فائت وما هو قائم...انني غائبة عن الآن

كل ما منحته من روحي، هو جزء مني، آمنت بوجوده، وما زلت، لكنني بدوني لا أكون
ولن تعود لي كما كانت
لن تعود لي، بعدما حكمت عليها ان تتقبل حب بلا حبيب


 مي حواس
اغسطس 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق